لابد أن نعرف الفرق بينهما؛ لأن عطف أحدهما على الآخر يدل على المغايرة، والفرق بينهما: أن الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة؛ يعني: يزهد في الدنيا ولا يأتي من الدنيا إلا ما ينفعه في الآخرة فقط، هذا لاشك أنه زهد في الدنيا؛ لأنه لا يريد أن يأتي إلا ما ينفعه في الآخرة، أما الدنيا فلا يريدها إطلاقاً، والورع: ترك ما يضر في الآخرة، أيهما أكمل؟ الزهد، لأن بين الذي لا ينفع والذي يضر واضح وهو ما لا نفع فيه ولا ضرر، فالزاهد يترك والورع لا يترك، ثم ذكر المؤلف حديث النعمان فقال:
[الحلال والحرام والمشتبهات]
١٤٠٩ - عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه:«إن الحلال بين، وإن الحرام بَين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». متفق عليه. قوله:«وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه» تحقيقاً للسماع، وإصبع هذه من الكلمات التي لا يمكن الخطأ فيها من حيث الحركات؛ لان فيه عشر لغات يشير إليها قول الشاعر:
(وهمز أنملة ثلث وثالثه ... التسع في إصبع واختم بأصبوع)
فتكون اللغات تسع من ضرب ثلاثة في ثلاثة، و «التسع في إصبع» هو محل الشاهد، «واختم بأصبوع» فتكون اللغات في إصبع عشرة، أما «أنملة» ففيها تسع لغات، شرح هذا وإن كان ليس في الحديث لكن لا بأس أنه ينفع إن شاء الله؛ فنقول: لنأخذ الهمزة في أصبع على أنها مفتوحة والباء مثلثة نقول: أصُبع أصَبع أصِبع، لنأخذ الهمزة مضمومة والباء مثلثة أصُبع أصَبع أصبِع، لنأخذ الهمزة مكسورة والباء مثلثة إصبَع إصبُع إصبِع، كم هذه؟ هذه تسع، العاشر أصُبوع، أما أنملة فيقال فيها كما قلنا في أصبع، يقال: أنملة أنمُلة أَنملة، أنمُلة أنمَلة أُنملة، إنمَلة إنمُلة إنمِلة، الجميع تسع، الآن في بيت واحد حصلنا على تسع عشرة لغة، عشر في «إصبع» وتسع في «أنملة». «أهوى النعمان (رضي الله عنه) بأصبعيه إلى أذنيه» تحقيقاً للسمع، قال (صلى الله عليه وسلم): «إن الحلال بين والحرام بين