نجيب عنه: بأن لكل مقام مقالاً، ففرق بين الاستعانة بالكفار في حال الحرب وبين الاستعانة بالكفار في مثل الدلالة على الطريق أو ما أشبه ذلك.
أو يقال جواب آخر: أننا متى أمنا من خيانتهم واستفدنا منهم بالرأي أو بالقتال فلا بأس، لأن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، ولعل هذا الوجه أقرب لأن عبد الله بن أريقط لو شاء لخان أعظم خيانة فإن قريشًا قد جعلت لمن جاء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وأبى بكر قد جعلت له مائتي بعير ومائتا بعير في ذلك الوقت لها شأن كبير فالذي يظهر أني قال الأصل منع الاستعانة بالمشركين في الحرب لكن إذا كان هناك مصلحة ومنفعة محققة مع الأمن من غدرهم ومكرهم فإن ذلك لا بأس به، لأنه مصلحة بلا مضرة والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
[النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب]
١٢٢٣ - وعن ابن عمر (رضي الله عنها): "أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأي امرأة مقتولة في بعض مغازيه، فأنكر قتل النساء والصبيان" متفق عليه.
قوله:"في بعض مغازية" ولم تعين، لكن لا يهمنا تعيين الغزوة، لأن المقصود معرفة الحكم، وقوله:"أنكر قتل النساء" يعني: أنه نهي عنه لكن بشدة، لأن الإنكار أخص من النهي قد ينهي عن الشيء بدون إنكار، لكن إذا أنكر فقد تضمن النهي وزيادة، وقوله:"قتل النساء والصبيان" النساء مطلقًا حتى البالغات، وأما الصبيان فهم الذكور غير البالغين وإنما نهي عن ذلك لأن النساء والصبيان يكونون أرقاء بالسبي فإذا قتلوا فوت على المسلمين خيرًا كثيرًا.
* ففي هذا الحديث دليل على فوائد:
أولاً: أنه يجب إنكار المنكر حتى وإن كان فاعله جاهلاً بالحكم، وذلك لأن الذين قتلوا هذه المرأة لا شك أنهم جاهلون ولو كانوا عالمين بذلك ما قتلوها.
والثاني: تحريم قتل النساء والصبيان في حال الحرب.
فإن قيل: لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم؟ الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان ولو فاتت علينا المالية لما في ذلك من كسر قلوب الأعداء وأهانتهم، ولعموم قوله تعالى:{فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم}[البقرة: ٩٤]، وتفويت