نصرهم في هذا اليوم، تبعه رجل من المشركين فقال:"ارجع فلن استعين بمشرك" خوفًا منه، لأن المشرك لا يؤتمن وكذلك غير المشركين كاليهود والنصارى، فإنهم لا يؤتمنون ولهذا كتب أحد عمال الأمصار إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حين بلغ عمر أنه قد اتخذ- أي: هذا الأمير- كاتبًا نصرانيًا، فكتب- أي: عمر- إلى هذا الأمير أن أعزله وقال كيف نأمنهم وقد خونهم الله فأرسل إليه يقول: هذا الرجل عنده علم حافظ جيد كأنه يريد أن يبقيه فكتب إليه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى فلان: إن النصراني قد مات، معني هذا الكلام إذا مات فماذا تفعل؟ وكأنه يوبخه على محاولة إبقاء النصراني كاتبًا في شأن من شئون المسلمين، ولهذا يعتبر من الغباوة أن يؤتمن النصارى واليهود وغيرهم من الكفار على أمور المسلمين سواء كان في السلاح أو غير ذلك، لأنهم أعداء بنص القرآن، واليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض بنص القرآن، وإذا كان عدوًا لك كيف تأمنه وما ضر الأمة الإسلامية إلا ائتمان غير المسلمين ولشيخ الإسلام (رحمه الله) في الفتاوى كلام جيد جدًا حول هذا الموضوع وهو ائتمان اليهود والنصارى أو غيرهم من الكفار على أحوال المسلمين بكتابة أو غيرها ففي المسلمين من هو خير من هؤلاء كما قال الله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}[البقرة: ٢٢١].
فيستفاد من هذا الحديث فوائد: أولاً: الحذر من المشركين حتى وإن تظاهروا بالمعاونة والمساعدة، فالواجب الحذر منهم.
ومن فوائد الحديث: رد من خرج مع المسلمين لمساعدتهم في الغزو، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) رده وقال: "لن أستعين بمشرك".
فإن قال قائل: أليس النبي (صلى الله عليه وسلم) قد استعان بصفوان بن أمية في استعارة الدروع منه.
قلنا: بلى لكن هذه استعانة با لمال، والذي نفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) هنا الاستعانة بالنفس، لأنه إذا أعاننا بنفسه لا نأمن خيانته أن يدل الأعداء على خفايا أسرارنا أو أن يقاتل لا قتال الشجاع المدافع، أما الاستعانة بالمال فلا بأس، لأن الذين استعملوا الدروع هم المسلمون فلا ضرر علينا بذلك هذا خير محض فلا يعارض هذا الحديث.
فإن قال قائلك: أليس قد استعان النبي (صلى الله عليه وسلم) بمشرك في أخطر موقف له وهو الهجرة فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) اتخذ هاديًا، أي: دليلاً، رجلاً يقال له: عبد الله بن أريقط من بني الديل وكان مشركًا فكيف نجيب عن هذا الحديث؟