يصلى بالجماعة، فلما صلى الركعتين الأوليين حضر الإمام وتقدم الإمام ليصلي بهم هل نقول للناس: استأنفوا الصلاة؟ لا، لكن يدخل فيكمل بهم الصلاة فإذا صلى ركعتين فقد تم للجماعة أربع ركعات فتجلس الجماعة ويأتي هو بما بقي من صلاته ثم يسلم بهم، هذا هو المشروع في مصل هذه الصورة.
[مراعاة حال المأمومين في الصلاة]
٣٨٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء". متفق عليه.
قوله:"إذا صلى أحدكم للناس فليخفف"، صلى لهم ولم يقل: صلى بهم؛ لأن الإمام يصلى بالناس وللناس أيضًا، ولهذا يحسن أن تكون صلاته علي وجه الشرع لا زيادة ولا نقص؛ لأنه يصلي لهم فهو كالذي يتولي أمورهم. أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخفف، ولكن ما ميزان هذا التخفيف؟ هل ميزان التخفيف أذواق المأمومين؟ لا، لأننا لو رددنا الأمر إلي أذواق المأمومين سيقول أحدهم: اقتصر علي الفاتحة وقل: "سبحان ربي العظيم" في الركوع مرة، و"سبحان ربي الأعلى"، ثم قل:"رب اغفر لي" ثم أسجد، وهكذا يريد أن تقتصر علي أدني الواجب، ويأتي آخر ويقول: لا نريد أن تخفف، بمعني: لا تقرأ سورة البقرة ولا آل عمران، ولا تقول:"سبحان ربي العظيم"(٥٠) مرة لكن يعتدل، هكذا يكون الأمر لو رجعنا إلي أذواق الناس في التخفيف لاختل ميزان الناس في الصلوات، ويصير هؤلاء يصلون علي شيء، وهؤلاء يصلون علي شيء، ولكن الميزان للتخفيف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن وافقت صلاته صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخفيف، ومن كان دون ذلك فهو تفريط، ومن كان فوق ذلك فهو إفراط وزيادة، والدليل علي أن صلاة النبي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف قول أنس:"ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم"، فمعني ذلك: أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "فليخفف"، أي: فليصل كما أصلي، إذ من المستحيل أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء ويفعل خلافه، فلو كان هناك تخفيف مشروع- دون صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم- لفعله صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن التخفيف الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم هو: التخفيف الذي كان يفعله، ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم بأن من ورائه الصغير والضعيف والكبير وذا الحاجة، يعني: وراءك اناس لهم أعذار إما عجز وإما حاجة خارجية. العجز مثل: الضعيف، والصغير، والكبير، وذا الحاجة، أي: حاجة خارجية؛ فقد يكون الإنسان مشغولًا بحرثه أو بتجارته أو بميعاد له مع أحد، فإذا أطلت إطالة أكثر من السنة حبسته عن حاجته.