أما إذا صلى بنفسه فليطل ما شاء، وإذا صلى لغيره فلا يتجاوز المشروع، فإن تجاوز المشروع فقد شق عليهم وحينئذ يكون آثمًا كما يدل عليه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث عائشة في قصة صلاة أبي بكر رضي الله عنه بالناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مريضًا وقد استناب أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم رضي الله عنه، ففي يوم من الأيام أحس النبي صلى الله عليه وسلم بخفة فجاء وجلس إلي يسار أبي بكر فصلي بالناس جالسًا وأبو بكر يصلي بهم قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسمع صوته ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر لأنهم لا يسمعون إلا صوته.
هذا الحديث لا شك أنه في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه متأخر بالنسبة للحديث السابق المروي عن أبي هريرة:"إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين"؛ ولهذا اختلف العلماء-رحمهم الله- فيما إذا صلى الإمام جالسًا لمرض هل يصلي المأمومون جلوسًا أو يصلون قيامًا؟ فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلي أنهم يصلون جلوسًا تبعًا لإمامهم، وذهب غيره إلي أنهم يصلون قيامًا، أما الإمام أحمد فاستدل بعموم حديث:"إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" وقال: إن مثل هذا الحكم يبعد أن ينسخ لأنه من الائتمام بالإمام، فلو نسخ لكان في ذلك إخلال بحكمه الجماعة، وهي: عدم الائتمام بالإمام، ولكن غير الإمام أحمد قال: إنه منسوخ بحديث عائشة الذي ذكره المؤلف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته كان يصلى قاعدًا والناس يصلون قيامًا، ولكن الإمام أحمد رحمه الله أجاب عن هذا بأن أبا بكر رضي الله عنه كان قد ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، فلزمهم حكم القيام، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء في أثناء الصلاة فصلي قاعدًا ولهذا أذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يبقوا قيامًا، وهذا الذي أجاب به الإمام أحمد رحمه الله هو المتعين؛ لأن به تجتمع الأدلة، وقد قررنا غير مرة: أنه إذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه هو الواجب ولا يصار إلي النسخ مع إمكان الجمع، لكنك إذا صرت إلي النسخ مع إمكان الجمع أبطلت أحد الدليلين بالآخر، وإذا جمعت عملت بالدليلين كليهما، وهذا هو الواجب.
فالصواب: أن الإمام إذا صلى قاعدًا أن نصلي خلفه قعودًا ولو كنا قادرين علي القيام، لكن لو ابتدأ بنا الصلاة قائمًا ثم حصلت له علة وجلس ما كمل الصلاة قائمًا، ففي هذه الحال يجب علينا أن نصلي قيامًا، بدليل حديث عائشة الذي ساقه المؤلف رحمه الله، وفي حديث عائشة فائدة وهي: أن الإمام الراتب يبني علي صلاة من استخلفه ولا يستأنف الصلاة من جديد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة بالناس، بل أبقاهم علي صلاتهم، ولما أكمل الناس صلاتهم لم يتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بقي من صلاته، فالإمام الراتب إذا وكل شخصًا ثم حضر في أثناء الصلاة وتقدم الإمام الراتب فإنه يبني علي صلاة من استخلفه، مثال ذلك: وكل رجل شخصًا