للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - باب البر والصلة]

البر للوالدين والصلة للأقارب والبر: كثرة العطاء، والصلة: مجرد وصول العطاء، إذن فالبر أعمق وأكثر؛ ولهذا خص بالوالدين، أما الصلة فهي ألا يكون هناك انقطاع وهي دون البر فصارت بالأقارب ثم من الأقارب الذين تطلب صلتهم؟

الأقارب هم من شاركك في الجد الرابع فما تحته، وهؤلاء هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة، وأما من قال: إن الأقارب هم فروع جدك أو فروع أبيك ففيه نظر؛ لأن هذا يجعل الأقارب قليلين جدًا، ومن قال: هم كل من ينتسب إليك فقد وسع الأمر، فأقرب شيء في هذا أن يقال: الأقارب من التقوا بك في الجد الرابع فما أدون.

[البركة في العمر والرزق بصلة الرحم]

١٣٩٥ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأله في أثره، فليصل رحمه». أخرجه البخاري.

"من": شرطية، وفعل الشرط "أحب" وجوابه: "فليصل رحمه". من "أحب أن يبسط"، يعني: من أحب أن يوسع، كما قال الله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد: ٢٦]. "في رزقه" أي في عطائه، والمتبادر أنه زرق ما يقوم به البدن من طعام وشراب ولباس ومسكن ونحو ذلك، وربما يقال: إنه يشمل ما يقوم به البدن وما يقوم به الدين من علم نافع وإيمان وعمل صالح "وأن ينسأ له في أثره ينسأ" أي: يؤخر ومنه قوله تعالى: {إنما النسئ زيادة في الكفر} [التوبة: ٣٧]. يعني: التأخير، "في أثره" أي: في أجله؛ لأن الأثر هو الأجل؛ لكونه يكون بعد موت الإنسان "فليصل رحمه"، وصلة الرحم أن يوصل إليها الخير، لكن لا على وجه السعة والتوسع، لأنه إذا كان كذلك صار برًا، هذا الحديث حث عظيم على صلة الرحم؛ لأن كل واحد من الناس بطبيعته وفطرته يحب أن يبسط له في الرزق وكل إنسان بطبيعته وفطرته يجب أن يؤخر موته ويمد له في الأجل، فهذا من أبلغ الترغيب والحث على صلة الرحم فيستفاد منه الترغيب في صلة الرحم.

ومن فوائده أيضًا: أن صلة الرحم سبب لكثرة الرزق وطول الحياة؛ لقوله: «أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره».

ومن فوائد الحديث: إثبات الأسباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل سببا ومسببًا، السبب صلة الرحم والمسبب بسط الرزق وطول الأجل أو طول البقاء، فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>