الثاني: هل إذا تداوى الإنسان بما يعتقد أنه شفاء هل يرتفع المرض؟ لا، إذن ارتكاب المحرم مفسدة محققة وحصول الشفاء غير محقق، فها يليق أن نرتكب الشيء المحرمالمحقق بأمر غير محقق؟ لا.
فإن قال إنسان: يرد عليكم أن الله أحل الميته للجائع المضطر إليه.
قلنا لا يرد علينا، أولًا: لأن اندفاع ضرورة الجائع لا تكون إلا بالأكل فهو مضطر، وثانيًا: أنه إذا أكل ارتفعت الضرورة واستفاد من الأكل فلا يرد علينا، اشتهر عند العامة عندنا أن لبن الحمارة يشفي من السعال-الحكة- حتى وضعوا قاعدة وهي تقول: دواء الشهاجة - نوع من السعال شديد- لبن النهاجة وهي الأنثى من الحمير، وهذه قاعدة من أبطل القواعد، ولا يمكن أن يكون الشيء الحرام فيه شفاء، فإن قيل: قد وقع ذلك وارتفع المرض يعني: مجرب، نقول: إن المرض ارتفع عنده لا به امتحانًا من الله عز وجل وفرق بين ما يقع عند الشيء أو يقع بالشيء؛ لأن ما وقع بالشيء فالشيء سبب له، وما وقع عنده فهو وقع فقط، ولكن لنعلم أنه لا يمكن أن يكون لبن الحمير سببًا للشفاء إطلاقًا.
يقولون: إن هناك أمراضًا جلدية ينفع فيها دم بعض الحيوانات أو شحم بعض السباع فهل يجوز التداوي بها؟ نعم، يجوز لكن إن كانت نجسه فالواجب عندى الصلاة أن يتطهر منها، وقد ذكر ذلك أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي فى أول كتاب الجنائز؛ أى: أنه يجوز التداوي بشحم الخنزير ادهاناً لا أكلا؛ لأن هذا يصل إلى الجوف وربما ينفع.
وهذا لو قال قائل: يرد عليكم أن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها.
قلنا: إن الله لم يحرم علينا أن ندهن أجسامنا بشيء نجس ثم نغسله للمصلحة.
[حكم التداوي بالخمر]
١٢٠٢ - وعن وائل الحضرمي، إن طارق بن سويٍد رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يصنعها للدواء؟ فقال:"إنها ليست بدواٍء، ولكنها داء". أخرجه مسلم، وأبو داود وغيرهما.
سأله عن الخمر يصنعها للدواء كالصيادلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنها ليست بدواء ولكنها داء" لأنها محرمة، والمحرم داء إن الله لم يحرمه إلا لمضرته، ثم لو فرض أنه لم يحصل فيه مضرة بدنية ففيه مضرة شرعية دينية فهي داء، وهذا أبلغ مما لو قال: إن ذلك حرام لماذا كان أبلغ؟