الصلح: هو قطع الخصومة، والنزاع بين المتخاصمين والمتنازعين، ويكون في مواضع كثيرة، منها: الإصلاح بين الزوجين، كمال قال تعالى:{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا}[النساء: ١٢٨]
ولقوله تعالى:{وإذا خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما}[النساء: ٣٥]. ويكون كذلك بين الطوائف التي بينها عداوة، كما يحصل من العداوة بين القبائل، فيصلح بينهما، ومن ذلك قوله تعالى:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}[الحجرات: ٩] ويكون أيضا من المسلمين والكفار في الحال التي لا يستطيع المسلمين أن يقاتلوا الكفار، فإنه يجرى الصلح بينهم كما جرى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية، ولكن هل يصح الصلح إلى الأبد يعني: غير مؤجل أو لا يصح إلا مؤجلاً لاحتمال قوة المسلمين؟ الذي يظهر أنه لا يجوز الصلح إلا مؤجلاً؛ لأن المسلمين قد تتغير حالهم ويكون عندهم قدرة على قتال الكفار، ولأن الصلح غير المؤجل يستلزم سقوط جهاد الكفار؛ لأنه لا يمكن إذا صالح المسلمون أحدا من الكفار، إلا إذا نقص الكفار العهد، ولهذا قال الله عز وجل {إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحد فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين}[التوبة: ٤]
وقال فيما إذا خفنا منهم خيانة:{وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء}[الأنفال: ٥٨]. يعني: لا تغدرهم إذا خفت بيننا وبينكم، أما إذا نقضوا العهد فإنهم يقاتلون كما قال الله تعالى:{أل تقتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة}[التوبة: ١٣] فالصلح بين الكفار والمسلمين حائز عند الحاجة إليه ثم مقام المسلمين مع هذا العدو المصالح على ثلاث درجات الأولى: إذا لم يكن من هؤلاء نقض للعهد، فالواجب إتمام العهد.
الثاني: إذا خيف نقض العهد ولم ينقض العهد، فالواجب نبذ العهد، يعني: أن نخبرهم أنه لا عهد بيننا وبينكم، لا نباغتهم وننقض العهد، بل نخبرهم.
الثالث: إذا نقضوا العهد فإنه يسقط عهدهم وحينئذ نقاتلهم، وكل هذا موجود في كتاب الله عز وجل.
يكون الصلح أيضا بين المتخاصمين في المال، وهذا يقع كثيراً في المعاملات كالبيع والإجارة والرهن وغيره ذلك، وكل هذه الأمور الأصل فيها الجواز، ولكن قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة وإلا فلا أحد يمنع من الصلح بين المتخاصمين والمتنازعين أبداً، فالأصل الجواز.