ومن فوائد هذا الحديث: عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "ةوبعثت إلى الناس عامة".
ومن فوائده: أنه لا يمكن تغيير الشريعة باختلاف الزمن؛ لأنه لو جاز ذلك لم تكن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة، لكن ما قيد بالمصالح فإنه يتغير باختلاف الأحوال، يعني: ما علم من الشرع أنه تابع للمصالح فإنه لا شك يختلف باختلاف الأحوال، وأما الأصول الثابتة فإنه لا يمكن أن تنسخ.
ومن فوائده: أنه لا عموم في رسالة أحد من الرسل إلا النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "وكان النبي يبعث على قومة خاصة".
فإن قال قائل: أليس نوح بعث إلى الناس جميعا؟
قلنا: لأنه لا يوجد في ذلك الوقت إلا قومه.
[عدم صحة التيمم مع وجود الماء]
١١٩ - وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند مسلم: "وجعلت تربتها لنا طهورا، إذا لم نجد الماء".
ففي هذا الحديث تخصيصان عن حديث جابر السابق.
الأول: قوله: "تربتها"، والثاني: قوله: "إذا لم نجد الماء".
فأما الأول: فهو قيد غير مراد؛ وذلك لأنه نص على بعض أفراد العموم؟ وذكر بعض أفراد العموم بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص، اللهم إلا إذا كان التقييد بمعنى يختص به فحينئذ يقتضي التخصيص، وهنا كلمة "التراب" ليست وصفا تتغير به الأحكام، وإنما هو لقب، سمي التراب لأنه تراب، ومفهوم اللقب عند العلماء غير معتبر.
وأما الثاني: "إذا لم يجد الماء" فهذا القيد لا شك أنه معتبر ينص القرآن؛ لقول الله تعالى:
{فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: ٤٣].
ويضاف إلى فوائد هذا الحديث: أنه لا يصح التيمم مع وجود الماء.
ولكن لو قال قائل: إن وجد الماء ولم يجد ثمنه، وليس ملكا له وليس عنده ثمن يشتريه به فهل نقول: إنه كعادم الماء؟
الجواب: نعم، لأن عدم ثمن الماء كعدم الماء.
فإن قال قائل: فإذا وهب له هل يلزمه قبوله هدية؟
فالجواب: لا، لا يلزمه لما في ذلك من المنة، هكذا قال العلماء، وبناء على هذا التعليل نقول: إذا وهبه له من لا منة له عليه كأبيه وابنه لزمه القبول، وأما إذا وهبه أجنبي فإنه لا يلزمه؛ لأنهربما في يوم من الأيام يمن عليه بذلك فيخجله.