والثانية: قوله: "أو في أمر لا بد منه". مثل أن يضطر إلى ماء، أو إلى خبز، يضطر إلى ثياب يدفع بها البرد، يضطر إلى رداء يتغطى به عن البرد وما أشبه ذلك، فإن هذا لا بأس به ولا يعد كدًّ يكدُّ الإنسان به وجهه؛ لماذا؟ لأجل دفع الضرورة، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى مسألتين:
المسألة الأولى: أن يسال الإنسان شيئًا مستحقًّا له ممن له السلطة فيه ويشمل السلطان الكبير والسلطان الصغير.
والثانية: أن يسأل الإنسان شيئًا اضطر إليه من أيِّ إنسان فإن ذلك لا بأس به ولا حرج، وأخذ الفقهاء من ذلك ضابطًا فقهيًّا فقالوا: من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله، وهذا داخل تحت عموم قوله:"إلا أن يسأل الرجل سلطانَا" يعني: فيما له أخذه فإنه لا حرج عليه في ذلك، وعلى هذا فطالب العلم إذا كان محتاجًا إلى كتب ووجه الطلب إلى المسئول عن صرف الكتب هل يعد هذا من المسألة المذمومة؟ الجواب: لا يعد؛ لأنه مستحق لها، كثير من الناس قد لا يعرف، ويكون الموزع للكتب لا يعرفه فلا يمكن أن تصل إليه الكتب إلا بالكتابة من فلان إلى فلان، وبعد فإني من طلبة العلم أستحق الكتب الفلانية مثلًا، هذا لا بأس به، وكذلك لو كان من أهل الزكاة فلا حرج عليه أن يبين للعامل أنه من أهل الزكاة؛ لأنه ممن يستحق ذلك، ومع هذا فالتنزه عن ذلك أولى إلا في مسألة الضرورة ما لم تصل الحال إلى حد الضرورة، وقد مّر علينا:"من يستغن بغنة الله" هذا في عظم المسألة فما بالكم بمن يسرق بدون سؤال فهو أشد كما يوجد من بعض الناس- والعياذ بالله- يسرقون الأموال التي يولون عليها حتى إن بعضهم يأتي إلى الدكان يشتري أغراضًا، ويقول: اكتب في الفاتورة أن هذا الغرض بعشرة وهو بخمسة، هذا لا شك إنه إثم عظيم، وأكل للمال بالباطل، وخيانة لمن ائتمنه، وهذا الذي كتب له الفاتورة يعتبر كاذبًا مشاركًا له في الإثم- والعياذ بالله-.
من فوائد الحديث، أولًا: التحذير من المسالة لقوله: "المسألة كدُّ يكدُّ بها الرجل وجهه.
ثانيًا: جواز السؤال إذا كان بحق كالسؤال مما ذوي السلطان.
ثالثًا: جواز السؤال للضرورة لقوله: "أو في أمر لا بد منعه".
لو قال قائل: كلمة "لا بد منه" ما معنى "لا بد"؟ أي: أنه مضطر له، يعني: لا مفر.
[مسائل مهمة]
إذا قال قائل: هل يجوز السؤال لأداء فريضة الحج؛ لأن الفرض لا بد منه فهل يجوز أن يسأل لأداء الفريضة؟