ومن فوائد الحديث: إضافة الأفعال إلى الفاعل، وهو رد على الجبرية.
وفيه أيضًا: حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاكتساب للضرورة، وهل يؤخذ منه أن الإنسان إذا كان غنيًا يكسبه لا يجب الإنفاق عليه؟ نعم، يؤخذ منه لقوله:"فيبيعه فيكفَّ بها وجهه"؛ ولهذا اشترط العلماء في باب النفقات أن يكون هذا الذي تجب له النفقة عاجزًا عن التكسب مع الفقر. ولهذا أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الصدقة لا تحل لغني، ولا لقوي مكتسب".
٦١١ - وعن سمرةً بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانًا أو في أمر لا بد منه". رواه الترمذي وصححه.
هذا الحديث يشبه حديث ابن عمر أن الإنسان لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم، فالمسألة كدُّ يكدُّ الإنسان بها وجهه- والعياذ بالله-.
وقوله:"الرجل" هذا لا يعني تخصيص الحكم بالرجال؛ لأن كثيرًا من الأحكام علِّقت بالرجال؛ لأن جنس الرجال أشرف من جنس النساء، ولكن القاعدة العامة أن ما ثبت في حق النساء يثبت في حق الرجال، وما يثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء إلا بدليل؛ ولهذا قال الله تعالى:{من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى}[النحل: ٩٧]. وهذا يشمل جميع الأعمال، وأن النساء والرجال مشتركون فيها.
وقوله:"يكدُّ الرجل مها وجهه" يعني: لو أن الإنسان كدَّ وجهه بمشاقص حديد ما يبقى اللحم، فهكذا المسألة كدُّ يكدُّ الإنسان بها وجهه، فهل أحد يرضى أن يكدَّ وجهه بيده حتى تتمزق لحومه؟ الجواب: لا؛ إذن كيف ترضى أن تسأل الناس، وهذا ما يحصل، ويظهر أثر ذلك ليس في الدنيا، في الدنيا- نسأل الله العافية- الذي يعتاد على سؤال الناس لا يهتم، الإنسان الشريف إذا سال تجده إذا أضطر وأراد أن يسأل تجده يتعب ويتردد يقدم رجلًا ويؤخر أخرى، لكن الإنسان الذي عوَّد نفسه ذلك لا يهمه أن يسأل، إنما هو في الواقع وإن كان لا يهتم ولا يتألم ولا يحمرَّ وجهه، ولا يغار دمه فإن الواقع أنه في كل مسألة يكدُّ وجهه بهذه المسألة.
استثنى النبي صلى الله عليه وسلم:"إلا أن يسأل الرجل سلطانًا"، "السلطان" هو ولي الأمر، أكبر ولاة الأمور في البلد، ويحتمل أن يراد به كل ذي سلطة في مكان كالأمير مثلًا في بلد فيسأل، ومع ذلك فإن بعض أهل العلم قيَّد ذلك بما إذا سأل سلطانًا ما يستحقه من بيت المال، فإّن هذا لا بأس به، وعليه فيكون الحديث استثنى مسألتين: