عمل يده فليفعل، ولا ينبغي إذا وجد عملًا أشرف من هذا أن يتنزل إلى هذا العمل، يعني مثلًا إن وجد أنه يخرج إلى السوق ويكون دلالًا- الذي يحمل أمتعة الناس- هذا لا شك أنه أشرف من الاحتطاب، نقول: ما دمت تعد نفسك أعلى من الاحتطاب فافعل، لكن إذا لم تجد إلا الاحتطاب فهو خير لك من سؤال الناس سواء أعطوك أو منعوك، لو وجد مهنة أنه يجلد الكتب فهلا طيب، وجد مهنة أنه يكتب الكتب هذا أفضل، لأنه يحصل العلم، يكتب الكتب فيحصل العلم من كتابته إياها.
المهم: لو قال قائل: كيف يجوز أن يأخذ أجرًا على كتابة الكتب الشرعية؟
نقول: نعم هو أخذ على عمله حتى لو أنه جلس مدرسًا يدرس القرآن بأجرة فلا بأس له أن يفعل؛ لأن تعليم القرآن بالأجرة جائز، لو جلس يقرأ للموتى، إذا مات الميت جاءوا به ليقرأ للميت ويأخذ أجرة؟ فهذا لا يفعل الاحتطاب أحسن؛ لأن هذه المهنة حرام، حرام أن يأخذ الإنسان أجرًا لمجرد القراءة، أما على تعليم القرآن فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تعليم القرآن مهرًا في النكاح، وما صح أن يكون عوضًا في النكاح فيصحُّ أن يؤخذ عليه المال؛ لأن الله قال:{وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم}[النساء: ٢٤]. فجعل الله المهر مالًا.
يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد أولًا: التفاضل بين الأعمال والمهن لقوله: "لأن يأخذ أحدكم حبله ... الخ".
ثانيًا: أن العمل الذي يكف وجهك عن سؤال الناس مهما كان دنيئًا فهو خير، ولا تقل: هذا لا يصح لمثلي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق.
الفائدة الثالثة: ضرب المثل بالأدنى ليكون تنبيهًا على ما فوقه، يؤخذ من ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أدنى مثل لاكتساب المال ليكون في ذلك إشارة إلى ما فوقه.
ومن فوائد الحديث أيضًا: الإشارة إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يهين وجهه بسؤال الناس لقوله: "ليكف بها وجهه".
ومن فوائده أيضًا: مباشرة العامل لبيع صنعته، ولا يقال: إن بيعه إيَّاها لنفسه قد يكون فيه غش؛ لأن من أراد الغش سواء باعه هو أو باعه وكيله؛ لأن الغالب أن الغاش يكتم العيب ولا يبينه وهذا يحصل في بيع الوكيل كما يحصل في بيع الإنسان لنفسه.
ومن فوائد الحديث: أن اكتفاء الإنسان بنفسه خير من سؤال الناس وإن أعطي لقوله: "أعطوه أو منعوه"، هل يؤخذ من الحديث أنه ينبغي للإنسان اقتناء آلة الكسب؟ نعم يؤخذ من قوله:"حبله".