٦١٠ - وعن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها، فيكفَّ بها وجهه؛ خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه". رواه البخاريُّ.
هذا حديث عظيم ولننظر في إعرابه، قوله:"لأن يأخذ" اللام لام الابتداء، لأنها دخلت على المبتدأ، وقد تدخل على الخبر بالتزحلق ومنه قول الشاعر:[الرجز]
أمُّ الحليس لعجوزٌ شهربه ... ترضى من اللَّحم بعظم الرَّقبة
أصل هذا البيت لو مشى على الترتيب أن يقول: لأم الحليس .... الخ، لكن قال: أم الحليس فاللام في قوله: "لأن يأخذ" لام الابتداء؛ لأنها دخلت على المبتدأ، ولكن كأني بكم تقولون: أين المبتدأ؟ فنقول: المبتدأ المصدر المؤول من أن والفعل، وهذا موجود في القرآن:{وأن تصوموا خير لكم}[البقرة: ١٨٤]. أي: صومكم خير لكم. إذن "لأن يأخذ" تقديره: لأخذ أحدكم، "فيأتي" معطوفة على "يأخذ"، وقوله:"خير له" هذه خبر المبتدأ.
في هذا الحديث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خبرًا مؤكدًا باللام، لو أن الإنسان لم يكن عنده مال فإنه لا يسأل الناس، بل يسعى أولًا بنفسه لطلب الرزق فإذا تعذر فليسأل، لكن طلب الرزق كيف؟ يقول: لو وصل به طلب الرزق إلى هذه الحال التي تعتبر في نظر الناس دنيئة يأخذ الحبل ويخرج إلى البر يحتطب، ويأتي بحزمة الحطب على ظهره ليس عنده سيارة، ولا حمار، ولا بغل هو بنفسه يحملها على ظهره.
يقول:"فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس"؛ لأن هذا الرجل اعتمد على ما منحه الله تعالى من القوة والكف فاكتسب بفضل الله عز وجل، ولم يلتفت إلى أحد من الناس فكان ذلك خيرًا له.
سواء "أعطاه الناس أو منعوه" أيهم أشد عليه أن يعطى أو يردُّ؟ أن برد أشد؛ لأن الذي يردك كأنه صفعك على وجهك وردَّك، لكن الذي يعطيك كأنه جبر خاطرك أهون، ولكن لننظر إذا قال الرجل: أنا رجل شريف ومن قبيلة شريفة ذات شرف وجاه كيف أذهب احتطب، لو احتطبت لكان الصبيان يدجلون ورائي، يقولون: خبل فلان، فماذا أصنع؟ هل نقول: لكل مقام مقال، وأن مثل هذا الرجل الذي لا يليق به أن يحتطب، نقول له: اسأل الناس؟ لا، نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق الكلام، فأنت وإن خرجت إلى البر واحتطبت وجئت بهذا لو لم تجد مهنة إلا هذا لكان ذلك خيرًا لك من سؤال الناس، إن وجد عمل غيره أشرف من هذا، ولكن