بوجوهكم وأيديكم منه} لا يحمل على المقيد في الوضوء في قوله:{وأيديكم إلى المرافق}[المائدة: ٦]. ويختصُّ التيمم بالكفين فقط.
هنا نقول: الحكم مختلف؛ لأن عقوبة الأول أنه ينزع لحم وجهه، والثاني أنه يعذب بجمر يلقى في يده نظير ما أخذه، فلا يقيد الثاني بالأول، لكن فيه زيادة على الثاني، وهو أن يكون دائمًا يسأل الناس.
من فوائد هذا الحديث: الأولى أن سؤال الناس للتكثر وجمع المال محرم، بل هو من كبائر الذنوب للوعيد عليه.
ثانيًا: أن من سأل الناس للحاجةّ فلا إثم عليه؛ لأن الحديث قيد بقوله:"تكثرًا"، فدل ذلك على أنه إذا سألهم لدفع الحاجة والضرورة فلا إثم عليه.
ثالثًا: أن الجزاء من جنس العمل.
رابعًا: أن سياق الكلام يعيِّن المراد به، فإن اللام للأمر والأصل في الأمر أن معناه: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، لكن هنا لا يراد به الأمر الحقيقي لقرينة السياق، فالسياق يعيُّن المراد سواء كان في كلام الله، أو في كلام رسوله، أو في كلام الآدميين. السياق يعيُّن المراد والنية أيضًا تعيِّن المراد.
ومن فوائد الحديث أيضًا: استعمال التهديد في المخاطبة لقوله: "فليستقل أو ليستكثر".
ومن فوائده: الإشارة إلى القناعة، وأن الإنسان ينبغي أن يكون قانعًا بما أعطاه الله عز وجل ومن أعطي القناعة بقي غنيًّا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى القلب". فإذا كان الإنسان غني القلب فهو في الحقيقة هو الغني، وكثير من الناس عنده من الأموال ما عنده ولكن قلبه فقير- والعياذ بالله- دائمًا يطلب المال ويلهث وراءه، وكم من إنسان ماله قليل وهو يرى أنه من أغنى الناس، وقد استغنى عن الناس، وهذا من نعمة الله على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا أعطي القناعة بقي غنيًا منشرح الصدر لا ينظر إلى غيره، ويدل لذلك أن من كمال نعيم أهل الجنة أنهم {لا يبغون عنها حولا}[الكهف: ١٠٨]. حتى أدناهم لا يريد تحولًا عما هو عليه، ويرى أنه ليس في الجنة أحد أنعم منه، وهذا من نعمة الله على العباد أن يوفق للقناعة سواء كان ذلك في ماله، أو في مسكنه، أو في ملبسه، أو في مركوبه، أو في أولاده، أو في زوجته، أو غير ذلك، إذا أعطى الإنسان القناعة فيما أعطاه الله بقي غنيًّا، أما إذا نزعت القناعة من قلبه فإنه فقير مهما كان عنده من الأموال وغيرها.