للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٠٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يسأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقَّل أو ليستكثر". رواه مسلمٌ.

"من" شرطية بدليل جزم الفعل؛ لأن اقتران الفاء بالجواب قد يكون هذا واقعًا فيما إذا كانت "من" اسمًا موصولًا، إذن هي شرطية.

وقوله: "تكثرًا" هذا مفعول لأجله؛ يعني: لأجل التكثر بجمع المال.

وقوله: "فإنما يسأل" هذا هو جواب الشرط، وقوله: "جمرًا" الجمر معروف وهي القطعة من النار، وهي حامية كما هو ظاهر، ولكن ما معنى قوله: "فإنما يسأل جمرًا" هل معناه أنه كسائل الجمر، أو المعنى أن هذا الذي يعطاه يكون يوم القيامة جمرًا يعذَّب به؟ الثاني هو الأقرب، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، وإنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن اقتطعت له شيئًا من مال أخيه فإنما اقتطع له جمرًا فليستقل أو ليستكثر". وفي رواية: "فليأخذ أو ليذر".

وقوله: "فليستقل أو ليستكثر" اللام هنا لام الأمر، لكن ما المراد بالأمر؟ المراد به: التهديد، فهو كقوله: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: ٢٩]. وليست اللام هنا للتخيير إن شاء أقل، وإن شاء أكثر، بل إنها للتهديد.

هذا الحديث كالحديث الذي قبله، إلا أنه يزيد على ما قبله أنه مقيد بما إذا كان يسأل تكثر فهل يحمل الأول على الثاني، أو يقال: إن العقوبة مختلفة، وإذا اختلفت العقوبة لا يحمل المطلق على المقيد، ويكون هذا الحديث إذا سألهم تكثرًا وإن لم يكن مستمرًّا في السؤال حتى ولو لم يسأل إلا مرة واحدة، وهذا هو الأقرب الاَّ يقيد الأول بالثاني نظرًا لاختلاف العقوبة.

والعلماء يقولون: إن من شرط حمل المطلق على المقيد: أن يتفقا في الحكم، لا في السبب؛ يعني: لو اختلف السبب فيحمل المطلق على المقيد، فإن اختلفا في الحكم لم يحمل المطلق على المقيد. مثال ما اختلف في الحكم: طهارة التيمم والوضوء، ففي الوضوء قال الله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}. وفى التيمم قال: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}. السبب واحد وهو الحدث هو سبب الطهارة، والحكم مختلف؛ لأن طهارة الماء تتعلق بأعضاء أربعة وهي: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان.

وطهارة التيمم تتعلق بعضوين وهما: الوجه، واليدان، فالحكم مختلف، ولما اختلف الحكم فإنه لا يحمل المطلق على المقيد؛ ولهذا نقول: إن المطلق في قوله في التيمم: {فامسحوا

<<  <  ج: ص:  >  >>