للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء"، وبهذا نعرف أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" لا يلزم أن تكون الصلاة مثل صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في القدر، بل لو طولت فإنك لم تخرج بذلك عن كونك مصليًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي؛ لأنك صليت صلاة مأذونًا فيها، ولكن هل الأفضل: أن أزيد علي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يفعل وأثقل الصلاة أكثر من تثقيل الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الأفضل أن تكون كصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الثاني، وأما التطويل الزائد فهو من باب المباح وليس من باب المشروع الذي هو الأفضل، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الإمام يصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإن المنفرد يصلي كما يشاء، والمأموم تبع لإمامه لا يتقدم ولا يتأخر.

[إمامة الصغير المميز]

٣٩٠ - وعن عمرو بن سلمه رضي الله عنه قال: قال أبي: "جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا. فقال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا، فقدموني، وأنا ابن ست أو سبع سنين". رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

قوله: "قال أبي"، وكان أبوه وافدًا مع الوفد الذين كانوا يفدون إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليتلقوا منه الشرع ويتعلموا منه، فقال أبوه: "جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا" فهنا شهد رضي الله عنه بأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأن كل من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم ورأي ما عليه من كمال الأخلاق والآداب علم أنه رسول صلى الله عليه وسلم، يقول عبد الله بن رواحه، أو حسان بن ثابت: [البسيط]

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر

يعني: لو لم يكن فيه آيات مبينة تدل علي أنه رسول الله لكانت بديهته مجرد ما تراه وتري طلعته الكريمة الشريفة تأتيك بالخبر، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن الوفود إذا وفدوا يبقيهم عنده أيامًا حتى يتعلموا ويشاهدوا ويعرفوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم في عبادته، وفي دعوته إلي الله، وفي أخلاقه يقول: "جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم" فقال- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- في جملة ما علمهم: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"، وحضور الصلاة يكون بدخول وقتها وإرادة فعلها، "فإذا حضرت فليؤذن لكم أحدكم"، وفي قوله: "لكم" دليل علي أنه لابد في الأذان أن يبلغ من أذن له بحيث يرفع الإنسان صوته به حتى يسمعه من أذن له، ولهذا ذكر أهل العلم أن رفع الصوت بالأذان ركن بحيث يسمع من يؤذن له علي حسب الحال وعلي حسب المستطاع، وفي قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>