ألف درهم سوف أحضره بعد يوم أو يومين، ثم إن الذي أقر أنكر، وذاك الذي له الحق له يعلم بسماع هذا منه، فهذا نقول: إن هذا عنده شهادة لم يعلم بها صاحب الحق.
ويذكر في ترجمة المعري أنه كان رجلا قوي الحافظة، وأنه تخاصم رجلان فارسيان في المسجد يتنازعان [بلغتهم] في المسجد، وأنهما مع النزاع أقر أحدهما للآخر ثم أنكر، فارتفعا للحاكم، فقال الحاكم: هل عندك شهود -يقوله لصاحب الحق- قال: أين أقر لك؟ قال: في المسجد، قال: هل في المسجد أحد؟ قال: لا يوجد إلا رجل أعمى ولا أدري ما عنده، قال: أحضروه، فجاء فقال: أنا لا أدري ما يقولان، ولكن أنا أحكي لك كلامهما! ! هو عربي وهما عجم، فقال: احك وبدأ يرطن عليه وتبين الحق، فهذه إن صحت تدل على قوة الحافظة، يعني: ليس كلاما عربيا يفهمه الإنسان؛ لأن الكلام العربي تفهم المعنى، ويمكن أن تعبر عنه بلفظ مقابل أو باللفظ نفسه، لكن كلام غير غربي وهذا الرجل غير عربي هذا من العجائب إن صحت القصة، لكني قرأتها قديما في ترجمته.
على كل حال نقول: يمكن أن يشهد الإنسان بحق وهو لا يدري عن شهادته، نقول: الأفضل لمن شهد شهادة لا يعلم بها صاحب الحق أن يؤديها قبل أن يسأل، بل نقول: يجب أن يؤديها أو على الأقل يعلم صاحب الحق.
وأما القسم الثاني فإنه إذا كان عنده شهادة لشخص يعلمها فالأفضل ألا يتسرع حتى يسأل إما من قبل الخصم وإما من قبل الحاكم، وأما أن يتسرع، فهذا يدل على أنه رجل خفيف وأنه لا يتأنى في الأمور، وحمله بعض العلماء على أن المراد بذلك: الشهادة في حق الله، يعني بذلك: أهل الحسبة، فإنهم يشهدون على المنكر وإن لم يستشهدوا، ولكن الصحيح أنه عام، وأن المراد بذلك: من كان عنده شهادة وليس يعلمها صاحب الحق.
[حكم شهادة الخائن والعدو والقانع]
١٣٤٢ - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت». رواه أحمد وأبو داود.
"لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة"، خائن في حق العباد أو في حق الله؟ الحديث عام، أما الخائن في حق العباد فهو الذي يخون أماناتهم من ودائع وعوار وأعيان مضمونة وغير ذلك، وأما في حق الله فهو الذي لا يقيم دينه، لأن دين الله عز وجل مؤتمن عليه الإنسان كما قال الله تعالى:{إن عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها}[الأحزاب: ٧٢].