أيضا من فوائده: ذم من يشهد ولا يستشهد ولكن ما محط الذم هنا؟ اختلف العلماء - رحمهم الله - في هذا، فقيل: المعنى: أنهم يشهدون بدون أن يحملوا الشهادة، وهذا أقرب ما قيل في الحديث، بمعنى أن المراد بهم: شهداء زور، لأن هذا هو المناسب لأحوال من وصفوا من بعد، وبناء على ذلك نقول: لا معارضة بينه وبين الحديث الأول؛ لأن الحديث الأول فيمن عنده شهادة الحق ولكن أداها قبل أن يسألها، وسيأتي التفصيل في هذا أيضا، وقيل: المراد بقوله: "يشهدون ولا يستشهدون" أي: أنهم يشهدون متسرعين في الشهادة لا لغرض صحيح ولكن للتسرع، وهذا لا شك أنه ذم كما هو واضح، إنسان لم يدع للشهادة يذهب ويشهد هذا لاشك أنه تسرع يخالف ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من التأني والتثبت.
ومن فوائد الحديث: التحذير من شهادة الزور وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا سيقع.
ومن فوائده: أن الإخبار بالشيء لا يعني جوازه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن قوما يأتون يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف فهل إخباره بذلك إقرار أو تحذير؟ تحذير، وأخبر أن من هذه الأمة من يتبع سنن اليهود والنصارى، وهذا إخبار وليس بإقرار، بل هو تحذير، وأخبر أن الظعينة تمشي من صنعاء إلى عدن لا تخشى أحدا، وهذا أيضا إخبار لا إقرار، فلا يكون فيه دليل على جواز سفر المرأة بلا محرم.
المهم: أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مما يخالف الحكم الشرعي فإنه لا يدل على أن الرسول أقره أو أباحه.
ومن فوائد الحديث: أنه يفسد الزمان أيضا بأن يظهر في الناس الخيانة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنها تنزع الأمانة حتى يقال القبيلة فيهم أمين، يعني: لا يكاد تجد الأمين في القبيلة الكاملة.
ومن فوائده أيضا: أنه يتغير الزمان بنقض العهد: "ينذرون ولا يوفون"، وكل هذه الأوصاف التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم كلها مقام ذم وتحذير.
الحديث الأول حديث زيد إذا قال قائل: هل الأفضل للإنسان أن يأتي بالشهادة قبل أن يسألها؟ نقول: هذا فيه تفضيل، والتفضيل: أنه إذا كان المشهود له لا يعلم وجب عليه أن يشهد وإذا لم يسأل.
فإذا قال قائل: كيف يتصور أن المشهود له لا يعلم؟
قلنا: يتصور، لو سمع شخصا رجلا يقول لصاحبه: إن القرض الذي أعطيته لي الذي هو