للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا مثل الذي ترتعش يده بلا إرادة، يقولون: لا فرق بينهما، ويقولون: إن حركات الإنسان كحركات الريش في الهواء بدون إرادة، وهذا في الحقيقة قول مجرد تصوره كافٍ في إبطاله ورده ولهذا لو أنك أمسكت واحدا من هؤلاء وضربته على أم رأسه، وقلت له: هذا قضاء الله وقدره، ما بيدي حيلة، شيء بغير إرادة، هل يقبل؟ ربما يقول: نعم أقبل منك ولكن سأضربك بخشبة وأقول: هذا ليس بيدي، ولهذا يُذكر أن أمير المؤمنين عمر جيء إليه بسارق فأمر بقطع يده، فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين والله ما سرقت المال إلا بقدر الله، فقال: ونحن لا نقطعك إلا بقدر الله فاحتج عليه بحجته مع أن أمير المؤمنين (رضي الله عنه) يقطع يد السارق بقدر الله وشرع الله، وأما السارق فيسرق بقدر الله لا بشرع الله؛ لأن الله لم يأذن له بالسرقة، ولكن عمر (رضي الله عنه) ما حاول أن يقول: نقطعك بالقدر والشرع، احتج عليه بحجته؛ لأنها تُلقمه حجرا.

ومن فوائد الحديث: أن المسلم هو الذي يكون حازمًا دائمًا لقوله: «ما حق امرئ مسلم»، فالمؤمن كيس فطن عاقل يحتاط للأمور ويرتبها، ليس المسلم الذي يهمل نفسه، ومن ثمّ ولاسيما في وقتنا الحاضر - ينبغي للإنسان أن يرتب وقته، يعني: الصباح لكذا، والمساء لكذا، يوم السبت لكذا، ويوم الأحد لكذا، حسب ما تقضية الحاجة حتى لا يضيع عليه الوقت؛ لأنه قال: «ما حق امرئ مسلم»، فوصفه بالإسلام وإن كان عامًا فإنه يدل على أن هذا شأن المسلم أي: أنه لا يضيع الفرصة أبدا.

[ضوابط الوصية]

٩١٩ - وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: قلت: «يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا. قلت: أفاتصدق بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». متفق عليه.

سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وله مقامات عظيمة في الجهاد وتاريخه مشهور، مرض في حجة الوداع فجاءه النبي (صلى الله عليه وسلم) يعوده كعادته (صلى الله عليه وسلم) في كونه يتفقد أصحابه ويعود من يحتاج إلى العيادة، فجاءه فوجده يبكي، قال: «ما يبكيك؟ » قال: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي، وكانوا يكرهون أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها، وسعد من المهاجرين، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): «إنك لن تُخلف»، وهذه بشرى له، يعني: لن تموت في مكة، «ولعلك أن تُخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون»، وأن تخلفه الثانية غير

<<  <  ج: ص:  >  >>