الإنسان لو صلى بحضرة طعام فصلاته صحيحة، فكذلك "لا صلاة لمنفرد" يعني: لا صلاة كاملة لمنفرد، وهذا مردود لوجهين:
الوجه الأولك أن خلاف الأصل كما قلنا.
الوجه الثاني: أمره بالإعادة يجل على أنه نفي للصة وليس نفيًا للكمال.
قال: وزاد الطبراني: "ألا دخلت معهم". "ألا" أداة عرض، أما "هلا" و"لولا" فهما أداة تحضيض، والفرق بين العرض والتحضيض: أن العرض طلب برفق، والتحضيض، طلب بإزعاج وشدة، فالعرض يعرض عليك شئت أو لم تشأ، وأما التحضيض فإنه يحثك، قال:"ألا دخلت معهم" ويجوز اان يكون المراد بها هنا: الأداة أداة عض، ولكن المراد بها التحضيض؛ لأن أدوات المعاني ينوب بعضها عن بعض، "ألا دخلت معهم" أي: مع الناس، وهذا يقتضي أن يكون هناك شيء يمكن أن يدخل فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقول:"ألا دخلت معهم" وليس فيه مكان، إذ إنَّ هذا أمر بما لا يمكن.
"أو اجتررت أحدًا" أي: ليجع معه، "اجتررته" يعني: جذبته إلى الصف الثاني ليتأخر، وهذه الزيادة ضعيفة، لكنه يستأنس بها في قوله:"ألا دخلت معهم" على أن الصف غير تام ..
ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة هل يجر أو لا يجر؟ فقال الشافي وجماعة: إنه يجره بناء على أن هذا الحديث صحيح، أما أصحاب الإمام أحمد فكرهوا ذلك، وقالوا: لا يجره، ولكن ينبهه بالقول، أما أن يجره أي: يجذبه فإن هذا مكروه، إنَّما تنبهه بالقول، والصحيح أنه لا يجذبه لا بالقول ولا بالفعل؛ وذلك لأن في جذبه -كما قررنا- مفاسد كثيرة:
الأولى: تأخيره من المكان الفاضل إلى المكان المفضول. والثانية: التشوي عليه.
والثالثة: فتح فرجة في الصف. والرابعة: حركة الصف بسبب هذه الفرجة، وما دام الأمر ليس في الشرع ما يدل على وجوبه فإن الأصل أن التصرف في الغير ممنوع إلا بدليل.
[المشي إلى الصلاة بالسكينة والوقار]
٤٠٠ - وعن أبي هريرة ضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم السَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكو فأتمُّوا". متَّفقٌ عليه، واللَّفظ للبخاريِّ.
"إذا سمعتم الإقامة"، المراد بها إقامة الصلاة، وقوله:"فامشوا" هذا جواب الشرط، وأين الشرط؟ هو قوله:"إذا سمعتم"، وقوله:"فامشوا إلى الصلاة" يعني: امشوا المشي الذي قيّده في هذا الحديث، وهذا لا ينافي قوله تعالى: {يا أيُّها الَّذين ءامنوا إذا نودي للصَّلاة من يوم الجمعة