ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق" فالاستثناء هنا كقوله سبحانه: {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون}[النور: ٤]. هذه ثلاثة أحكام:{فاجلدوهم}، {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون}، {إلا الذين تابوا}[النور: ٥]. هذه عائدة على الأخير بالاتفاق، {وأولئك هم الفاسقون} ولا تعود على الأول، وهي كقوله:{فاجلدوهم}؛ لأن الجلد لا يسقط بالتوبة بعد القدرة، وأما الثانية:{ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا} ففيه خلاف، والقاعدة أن الاستثناء أو الشرط إذا تعقب جملًا فإنه يعود إلى الكل ما لم يوجد مانع، المانع هنا: أنه لا يجوز للمصدق أن يقبل ذات العوار أو الهرمة.
[زكاة الفضة والمعتبر فيها]
قوله: "وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشرة"، "الرِّقة" بالكسر كعدة، وأصلها: ورق أو ورق وهي: الفضة، قال الله تعالى:{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه}[الكهف: ١٩]. فخذفت منها فاء الكلمة، وعوضت عنها هاء التأنيث فصارت رقة مثل عدة، لكن "في الرقة في مائتي درهم"، وهذا البدل قلنا: إنه بدل اشتمال أو بدل بعض من كل؛ لأن الرِّقة تشمل مائتي درهم وما زاد وما نقص، فقال: "في مائتي درهم ربع العشر". هذا مبتدأ مؤخر، واحد من أربعين؛ لأن العشر واحد من عشرة، والربع واحد من أربعة، إذن ربع العشر واحد من أربعين، فعلى هذا اقسم ما عندك من الفضة على أربعين والخارج بالقسمة هو الزكاة قلَّت أو كثرت.
قال: "في مائتي درهم ربع العشر" هنا علَّق النصاب بالعدد في مائتي درهم، وفي حديث أبي هريرة: "ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة" فعلَّقه بالوزن، ومن ثمَّ اختلف أهل العلم؛ فقال أكثر أهل العلم: إن المعتبر الوزن؛ لأنه هو الذي ينضبط، فإن المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام بخلاف الدراهم فإن الدراهم مختلفة، كانت-كما قيل- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يكون ستة دوانق، ومنها ما يكون ثمانية دوانق؛ فلما تولى عبد الملك بن مروان وحُدّها وجعلها سنًا وثمانيا، يعني: جعلها وسطا سبع دوانق، وهذا متأخر عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء من قال: إن المعتبر العدد، وأن مائتي درهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تساوي في الوزن خمس أواق. قالوا: بدليل أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا". النِّش؛ بمعنى: النصف، نصف أوقية. الأوقية تبلغ أربعين درهمًا إذا كانت ثنتي عشرة أوقية ونصف، كم يكون المجموع؟ خمسمائة، قالوا: فهذا- أي: حديث عائشة- دليل على أن الدراهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كل أربعين درهمًا يعتبر أوقية، لأنها بيَّنت قالت: "كان ثنتي عشرة أوقية ونشًّا"، والأوقية: أربعون درهمًا فتلك خمسمائة درهمًا، فهذا دليل واضح على أن