بينهما بالسوية"، يعني: أن الزكاة تجب عليهما مع الاختلاط ويتراجعان بالسوية، والمراد بالسوية؛ أي: بالقسط وليست السوية سوية الواجب؛ لأن سوية الواجب تختلف، ولكن المراد بالسوية أي: بالقسط بحيث لا يزاد أحدهما عن نصيب حقه، فإذا كان رجلان لهما غنم مختلطة لأحدهما أربعون، وللثاني عشرون، كم الجميع؟ ستون تجب فيها شاة على صاحب الأربعين ثلثا القيمة أو ثلثا الشاة، وعلى الثاني ثلثها. هذا معنى قوله: "فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية".
وفي قوله: "وما كان من خليطين" دليل على ثبوت الخلطة في الماشية، وهي كما قلت: خلطة اشتراك على سبيل الشيوع، وخلطة أوصاف.
ثم قال: "ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المُصدق"، "ولا يخرج في الصدقة" أي: صدقة الإبل أو الغنم؟ الجميع، والإبل سبق لنا أنه يجب فيها شاة فيما دون الخمس وعشرين، ومن الإبل فيما بلغت الخمس والعشرين، وما زاد لا يخرج.
"هرمة": يعني كبيرة السن؛ لأن كبيرة السن قد فسد لحمها وربما وقفت عن الإنتاج ففيها ظلم لأهل الزكاة، فلا يجوز أن يخرج المالك هرمة، ولا يجوز للمصدق أن يقبلها أيضًا.
"ولا ذات عوار": أي: عيب؛ لأنها معيبة، والعور في اللغة: العيب.
"ولا تيس" أي: ذكر المعز فلا يخرج، إلا أن العلماء استثنوا "تيس الزِّراب"- أي: الذي ينزو على الغنم- أي: الذي يزرب شرط أن يرضى ربه؛ لأن في ذلك مصلحة، ولكننا نزيد شرطًا آخر وهو: أن يكون عند المصدّق معز تنتفع بهذا التيس، التيس لا يخرج.
يقول: "إلا أن يشاء المصدق". قوله: "إلا أن يشاء" هذه عائدة على الجملة الأخيرة وهي "ولا تيس"، أما الأول فلا يجوز، السبب: لأن الأول لو فرض أن المصدق أراد أن يُحابي صاحب المال ويأخذ منه معيبة أو هرمة هل يجوز؟ لا يجوز؛ لأن ما عاد إلى المشيئة في باب الولايات يجب أن يُراعى فيه الأصلح، وهذه قاعدة سبق لنا تقريرها، ومعلوم أن المصدق- وهو الذي يبعثه الإمام لقبض الزكاة- لو أراد أن يقبل المعيبة لكان هذا خيانة ولا يحل له ذلك، لكن في التيس لو رأى المصلحة في أخذه فيجوز والمصلحة فيما ذكره الفقهاء- رحمهم الله- وهو تيس الزراب يعني: الذي يُجرع الغنم، وعللوا ذلك بأن نقصه في الذكورة يجبر بكماله في الزراب، فإذا رأى المصدق أنه يأخذ التيس لأن عنده غنمًا تحتاج إلى تيس فرأى أن من المصلحة أخذه فله ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا أن يشاء المصدِّق".
بقي أن نقول: إذا كان لا يخرج ذات عوار ولا هرمة ولا تيس إلا بمشيئة المصدِّق، فهل يخرج الطَّيب الأعلى؟ نقول: أما إذا رضي صاحب المال فلا حرج، وأما بدون رضاه فلا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: "إياك وكرائم أموالهم". فقوله: "لا يخرج في الصدقة هرمة