كذلك لو خرج إنسان في السوق يمشي ومعه تفاحه بيمينه وبرتقالة بيساره يأكل باليمين مرة وباليسار مرة، هذا بكون خارما للمروءة من وجه فاعلا محرما بالأكل بالشمال.
من فوائد الحديث: أن الخيانة مانع من قبول الشهادة لقوله: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة"، ووجه ذلك: انتفاء العدالة؛ لأن الخيانة من أكبر الأسباب التي تزول بها العدالة، ومن شروط الشهادة: العدالة: {وأشهدوا ذوى عدل منكم}[الطلاق: ٢].
ومن فوائد الحديث: التحذير من الخيانة؛ لأن رد شهادته من أعظم العقوبات؛ لأنه صار غير معتبر في المجتمع.
ومن فوائد الحديث: مراعاة الأحوال، وأنها مقدمة على مراعاة الأشخاص لقوله:"ولا ذي غمر على أخيه"، فإن هذا الرجل في نفسه ثقة، أعني: الشاهد على أخيه وبينهما عداوة، فإنه ثقة في نفسه لكن حاله تقتضي ألا تقبل شهادته عليه.
ومن فوائد الحديث: أن العداوة والبغضاء لا تنافي الأخوة الإيمانية لقوله: "على أخيه".
ومن فوائده: أنه ينبغي للإنسان أن يزيل العداوة والبغضاء عن قلبه بين إخوانه؛ لأن قوله:"على أخيه" فيه نوع استعطاف لهذا الذي في قلبه حقد، فحاول أن تزيل العداوة والبغضاء والحقد عن قلبك بقدر ما تستطيع، واضغط على النفس؛ لأن النفس قد لا تقبل هذا، وقد ترى أن هذا انهزام، ولهذا قال الله تعالى:{وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}[فصلت: ٣٥]، لكن حاول، [واعلم] أنك إذا قابلت السيئة بالحسنة فإن الذي بينك وبينه عداوة سيكون كأنه ولي حميم، وهذا وعد الله عز وجل وليس مخلفا.
[لا تقبل شهادة البدوي على صاحبه قرية]
١٣٤٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية». رواه أبو داود، وابن ماجه.
البدوى: ساكن البداية، وصاحب القرية: ساكن المدن، والقرية هنا ليست خاصة بالمدينة الصغيرة كما هو معروف من معناه عرفا، ولكنها تشمل المدن والبلاد الصغيرة، بدليل قول الله تعالى:{وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك}[محمد: ١٣]. والمراد بالقرية: أم القرى، وهي: مدينة عظيمة ومع ذلك سماها قرية؛ لأنها مأخوذة من الاجتماع، فيؤخذ منه: أن شهادة البدوي على صاحب القرية لا تقبل، ولكن هذا العموم مقيد بما إذا كان البدوي متهما بشهادته، وأما إذا كان عدلا غير مهتم فإنها تقبل لعموم الأدلة الدالة على قبوله.