للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هل تقبل شهادة الصبي للضرورة؟ بمعنى: أن تكون قضية لم يشهدها إلا صبيان، وهذا يقع، صبيان يلهون في السوق فأخذ أحدهم حجرا وقذف به الآخر حتى شجه، فجاء أولياؤه يطالبون هذا الذي أخذ الحجر فشج صاحبهم، فقال أولياء الجاني: هل عندكم شهود؟ قالوا: كل الصبيان يشهدون، فهل تقبل شهادتهم؟ لا تقبل؛ لأنهم كلهم لم يبلغوا ولابد من البلوغ، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء؛ فبعضهم قال: لا تقبل شهادتهم، وبعضهم قال: تقبل شهادتهم إذا لم يفارقوا محل الحادث؛ لأنهم إذا فارقوا محل الحادث ربما ينسون أو يلقنون، لكن طالما في محل الحادث تقبل لعدم التهمة، ومنهم من قال: العبرة بالضرورة، فمثلا: يوجد بالغ كما هو البالغ فإنها تقبل، لاسيما مع وجود القرائن، وهذا فيما أرى أنه راجع إلى رأي الحاكم، يعني: له أن يختار واحدا من هذه الأقوال الثلاثة، لكن إذا أجمع الصبيان على أن الجاني هو فلان فلا ينبغي أن يكون هناك خلاف في وجوب العمل بهذه الشهادة.

الشرط الثالث: العقل، فإن كان مجنونا لم تقبل الشهادة، فإن تحمل وهو مجنون وأدى وهو عاقل لا تصح؛ لأن هذا لا يمكن، إذن فالعقل شرط للتحمل والأداء، ومما يلحق بالمجنون: الذي أصيب بعقله من جراء حادث أو غيره هذا أيضا لا تقبل شهادته، لأنه لن يضبطها.

الرابع: العدالة، بمعنى: أن يكون الشاهد عدلا، لقول الله تعالى: {وأشهدوا ذوى عدل منكم} [الطلاق: ٢]. فأمر الله تعالى أن نشهد ذوي عدل، أي: صاحب عدل.

فمن ذوا العدل؟ قال العلماء: العدل من استقام دينه واستقامت مروءته، أو من استقام في دينه ومروءته، هذا العدل في الدين، قالوا: بأن يحافظ على الواجبات ولا يفعل كبيرة ولا يصر على صغيرة، فإن فعل كبيرة لم يتب منها أو أصر على صغيرة فإن شهادته لا تقبل؛ لأنه ليس بعدل.

وبناء على ذلك لا نقبل تحملا ولا أداء شهادة كل من يحلق لحيته، لأنه مصر على صغيرة، ولا نقبل شهادة كل من يدخن؛ لأنه مصر على صغيرة، ولا نقبل من اغتاب أحدا ممن لا يحل اغتيابه -ولو مرة واحدة- إذا لم يتب لا نقبل شهادته، ولو طبقنا هذا الشرط على عالمنا اليوم ما وجدنا أحدا يكون مستحقا للشهادة، حتى بعض الناس الذين هم على دين واستقامة لا يخلون من غيبة الناس، فلو طبقنا هذا الشرط ما وجدنا شاهدنا.

كذلك أيضا المروءة لابد أن يستقيم في مروءته، فلو فعل فعلا يخرجه عن المروءة ويشار إليه به ويستنكره الناس منه وإن كان حلالا فإنه ليس بعدل، وهذا مشكل، يعني: لو خرج واحد منكم -ممن تجري العامة بأنه لا يخلع غترته- خالعا غترته ماذا يكون؟ مخالفا للمروءة، وهذا في قوم يعتادون ستر رءوسهم بالغترة، أما من اعتاد كشف الرأس فهذا شيء آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>