"إذا وضعتم الميت فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله"، فسمعه أحد الرواة، فحينئذ هل يرفعه أو يقفه؟ يقفه؛ أن ابن عمر ما رفعه ثم يحدِّث به ابن عمر على سبيل التحديث فيروى عنه مرفوعًا، وهذه هي القاعدة في مسألة الرفع والوقف أنه إذا تعارض الرفع والوقف وكان الرافع ثقة فإنه يؤخذ به؛ لأن معه زيادة علم، والزيادة من الثقة مقبولة، ولأن ذلك لا ينافي الوقف، فإن راوي الحديث قد يقوله من عند نفسه لتطبيق ما دل عليه الحديث.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه ينبغي إذا وضع الميت في لحده أن يقول: "باسم الله، وعلى ملة رسول الله" والذي يقوله الواضع دون الذي حوله، فلو قاله الذين حوله فإن ذلك لا يكفي؛ لأن هذه السنة تتعلق بالفاعل، كما لو أن أحدًا رأى شخصًا يريد أن يذبح ذبيحة فقال الذين حوله:"باسم الله" ثم ذبحها الذابح، فهل تحل الذبيحة؟ لا، لا تحل؛ لأن ما علق على فعل الفاعل فلابد أن يكون صادرًا من الفاعل نفسه.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه ولو بقلبه عندما يفعل الفعل أنه متابع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله:"وعلى ملة رسول الله"، وقد ذكرنا سابقًا: أنه ينبغي للإنسان عند فعل العبادة أن يستحضر شيئين: الأول: امتثال أمر الله- سبحانه وتعالى- كأن الله يأمره الآن فهو ينفذ، والثاني: يشعر كأن الرسول صلى الله عليه وسلم الآن أمامه ليقتدي به؛ لأن هذا هو تحقيق الإخلاص والمتابعة.
[الميت يتأذى بما يتأذى به الحي]
٥٤٩ - وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كسر عظم الميت ككسره حيَّا". رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط مسلمٍ.
"كسر" مبتدأ، وخبره "ككسره"، و"حيًّا" حال من الضمير في قوله: "كسره" يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه لا يجوز أن يكسر عظم الميت، أو بعبارة أصح: يقول- عليه الصلاة والسلام-: إن كسر عظم الميت ككسر عظمه حيًّا، يعني: في الحرمة، والاحترام وعدم التعرض له؛ لأن المسلم- بل بعبارة أعم: لأن المعصوم- معصوم في حياته وبعد مماته، فالموت لا يهدر كرامة المعصوم أبدًا بل كرامته باقية، لا يقول قائل: إن هذا ميت لا يتألم كما قيل: [الخفيف]