حتى الهدية لو أهدى إليه المقترض لا يجوز له قبوله، لأن كل قرض جر نفعًا فهو ربا، هذه القاعدة معروفة. ومن فوائد الحديث: إرشاد النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الاحتفاظ بالأموال في قوله: «أمسكوا عليكم أموالكم»، وهذا يدل بالمفهوم علي النهي عن إضاعة الأموال وقد دل عليه الكتاب والسُنة، قال الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف: ٣١]. وقال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء: ٥]. وثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه نهى عن إضاعة المال، وأن الإنسان يُسأل عن ماله فيما أنفقه، وهذا يدل على وجوب حفظ الأموال حتى لو كان الإنسان غنيًا لا يجوز له أن يبذر، كما قال الله تعالى في وصف عباد الرحمن:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}[الفرقان: ٦٧]. لما قال بين ذلك فيه احتمال أن يكون إلى التقتير أكثر أو إلى الإسراف أكثر، فإن كان إلى التقتير أكثر كان مذموما، وإن كان إلى الإسراف أكثر كان مذمومًا، ولهذا قيدها بقوله:{قَوَاماً} يعنى: مستقيمًا ليس فيه ميل إلى هذا ولا إلى هذا.
ومن فوائد الحديث: أن الرقبى التي تمضي للمعمر أو للمرقب تكون إذا أطلقت، وإذا قيدت بأنها له ولعقبه، أي: في صورتين، وأنها إذا قيدت برجوعها إلى المرقب أو المعمر فإنها ترجع إليه.
[حكم شراء الهبة]
(٨٩) ٤ - وَعَنْ عُمَرَ (رضي الله عنه) قَالَ: «حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك. فقال: لا تبتعه، وإن أعطاكه بدرهم ... ». الحديث متفقٌ عليه.
قوله:«حملت على فرس في سبيل الله»، «حملت» لها مفعول محذوف تقديره: حملت ر جلاً على فرس، فالمعنى: أنه تصدق على هذا الرجل بفرس يُجاهد عليه في سبيل الله.
وقوله:«فأضاعه» يعني: أهمله فلم يقم بواجبه يعني: أجاعه أعطشه ولا أعلفه، فضعف الفرس.
وقوله:«فظننت أنه بائعه برخص» أي: بثمن قليل.
وقوله: سألت الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك كأنه (رضي الله عنه) تردد في جواز شرائه بعد أن أخرجه في سبيل الله، فقال:«لا تبتعه» يعني: لا تشتره، وعندنا كلمتان: باع وابتاع، يعني: بذل الشيء بثمن، ابتاعه: اخله بثمن، ونظيرها شرى واشترى، شرى، يعني: باع، واشترى، يعني: أخذ،