هذا إعجابًا، اللهم إلا أن يقع في قلب القائل إعجاب فهذا شيء آخر، لكن إذا لم يقع فإنه لا بأس به، ولكن يشترط في غير النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ما قاله مؤكدًا أي أنه حكم الله.
ومن فوائد الحديث: أن الأحكام الشرعية قد تأتي مؤجَّلة وقد تأتي منجزة، فجلد الزاني مؤجل أو معجل؟ مؤجل، كان بالأول (والاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتّى يتوفهن الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلًا)[النساء: ١٥]، فهنا جعل الله تعالى غاية إمساكهن بالبيوت إما الموت أو السبيل، فهذا حكم مؤجل بمعنى: أنه قد يكون هذا الحكم مشارًا إلى تغييره.
ومن فوائد الحديث: أن الجعل يكون في الأمور الشرعية كما يكون في الأمور القدرية، فالجعل في الأمور القدرية كثير جدًّا: وجعلنا الَّيل لباسًا وجعلنا النهار معاشًا) [النساء: ١٠ - ١١]، {وجعلنا أية النهار مبصرة}[الإسراء: ١٢]، لكن الجعل الشرعي قليل، الجعل هنا شرعي، ومنه قوله تعالى:{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}[المائدة: ١٠٣]، {ما جعل} يعني: جعلًا شرعيًّا، أما كونيًّا فقد جعل ذلك، فالبحائر موجود والسوائم موجودة، والوصائل موجودة، وكذلك الحام موجود.
ومن فوائد الحديث: الجمع بين الرجم والجلد، وسبق أن آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الجمع ويقتصر على الرجم.
[ثبوت الزنا بالإقرار]
١١٦١ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"أتى رجلٌ من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله، إنِّي زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله، إنِّي زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنَّى ذلك عليه أربع مرَّات، فلمَّا شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه". متفق عليه.
هذا الحديث في قصة ماعز بنم مالك رضي الله عنه وهو أنه زنى فأراد أن ينتقم من نفسه وأن يطهر نفسه من الإثم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهن فقوله:"فناداه" يعني: كلمه بصوت مرتفع؛ لأن النداء هو الصوت المرتفع، والنجاء هو الصوت المنخفض، ألا ترون إلى قوله تعالى:{ونادينه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا}[مريم: ٥٢]، فجعل المناجاة في القرب، والمناداة في البعد، وهذا ظاهر معتاد.