٢٩٢ - وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا)). رواه البخاري.
قوله:((رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت هذه الرؤية حين وفد مالك بن الحويرث ومن معه إلى المدينة لتلقي العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والدين، والظاهر أنه كان في عام الوفود، في السنة التاسعة من الهجرة، وقوله رضي الله عنه ((فإذا كان في وتر من صلاته))، الوتر: هو الركعة الأولى أو الركعة الثالثة فيما إذا كان في الصلاة الرباعية، وعلى هذا فإذا كان في الصلاة الثنائية يكون الوتر الركعة الأولى، وكذلك في الثلاثية، لكن في الرباعية يكون الوتر في موضعين: في الركعة الأولى، وفي الركعة الثالثة، وقوله:((لم ينهض)) يعني: للقيام، ((حتى يستوي قاعدًا)) يستوي يعني: يستقر قاعدًا، ((قاعدًا)) حال من فاعل ((يستوي)).
في هذا الحديث فوائد منها: الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يأمر بذلك لقوله: ((إذا كان في وتر من صلاته))، ولم يسقه مالك بن الحويرث إلا من أجل أن يأخذ به الناس، ولولا ذلك لكان سياقه عبثا لا فائدة منه.
ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يجلس إذا كان في وتر من صلاته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا يعارض أحاديث كثيرة تدل على عدم الجلوس، وأن الإنسان ينهض من السجود إلى القيام بدون جلوس، فكيف نجمع بينهما؟ قال بعض العلماء: نجمع بينهما بأن نقول: حديث مالك بن الحويرث في آخر عمره- عليه الصلاة والسلام- فيكون هو المعتمد؛ لأننا نأخذ بالآخر، فالآخر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: إنها لا تسن مطلقا؛ لأن أكثر الأحاديث على عدم ذكرها، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وفصل قوم فقالوا: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن ينهض رأسا من السجود إلى الوقوف فيجلس ليعطي جسده حظه من الراحة، فجمعوا بين الأحاديث وقالوا: إن هذا هو الظاهر؛ لأن مالك بن الحويرث رضي الله عنه إنما قدم المدينة عام الوفود بعد أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللحم؛ ولهذا لم يأت في أي حديث الأمر بهذه الجلسة إنما هي داخلة في العموم:((صلوا كما رأيتموني أصلي))، وعلى هذا فمن احتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع في الركبتين أو ما أشبه ذلك فليجلس، ومن لا فلا.
وهذا القول المفصل هو الراجح، وعليه اعتمد ابن القيم ومن قبله الموفق رحمة الله، وبه تجتمع الأدلة.