٦٠٥ - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدَّقوا فقال رجلٌ: يا رسول الله، عندي دينارٌ؟ قال: تصدَّق به على نفسك، قال عندي آخر، قال: تصدَّق به على زوجك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدَّق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر به". رواه أبو داود والنسائيُّ، وصحَّحه ابن حبان والحاكم.
قوله:"تصدَّقوا" هذا فعل أمر، ولكن هل هو للوجوب؟ إن كان المراد به الزكاة فعلى سبيل الوجوب، وإن كان المراد به ما زاد على الزكاة فعلى سبيل الاستحباب، والصدقة بذل المال لمستحقه، وسميت بذلك، لأنها تدل على صدق إيمان الباذل؛ لأن المال محبوب إلى النفوس كما قال الله تعالى عن الإنسان:{وإنه لحب الخير لشديد}[الغاديات: ٨]. وقال تعالى:{وتحبون المال حبا جما}[الفجر: ٢٠]. فإذا بذل محبوبه لنيل أمر غائب دلَّ على صدق إيمانك؛ لأنك أنت عندما تبذل درهمًا تريد به كم من حسنة؟ عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، هل أنت تشاهد هذا الشيء؟ لا، لكن تؤمن به، وبذلك للمحبوب يدل دلالة واضحة على أنك مؤمن بالجزاء عليه، وإلا لما بذلت هذا المال الذي تحبه وتعبت عليه.
"فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار قال: تصدق به على نفسك"، بدأ بالنفس؛ لأن حماية النفس واجبة، فإذا كان هذا في إمداد النفس بما فيه قوامها فكيف يدفع الضرر عن النفس، يعني: أنت يجب عليك أن تنفق على نفسك، وهذا الإنفاق إمداد للنفس بما فيه قوامها فما بالك بدفع ما يضرها فإن ذلك أوجب؛ ولهذا نقول: لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئا يضره سواء كان مأكولًا أو مشروبًا، إذا خاف الإنسان إذا أكل أن يتخم وتمتلئ بطنه حتى لا يستطيع أن ينهض إذا جلس ولا أن يركع؛ لأن بطته مملوءة، ويخشى أيضًا أن تتغير برائحة كريهة ففي هذه الحال يحرم عليه الأكل حتى لو كان الأكل من أطيب الطيبات، ونحن الآن نأكل كثيرًا وإذا أكلنا قلنا: هات بيبسي لأجل أن يهضمه، فتملأ البطن كثيرًا ثم نحاول أخذ شيء يهضم هذا الأكل، هذا مشكل!
أقول: إن الإنسان مأمور بأن يتصدق على نفسه، وأن يمدها بما فيه بقاؤها، فمن باب أولى أن يكون مأمورًا بما يحمي نفسه عن الضرر.
فقال:"عندي آخر" قال: "تصدق به على ولدك". وفي حديث آخر:"تصدق به علي زوجك". في رواية للنسائي:"تصدق به على زوجك" قبل الولد، وهذه الرواية أصح، ولعل الراوي إما