للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: احفظوا "بلوغ المرام" واقرءوا عليه فكان في أول الأمر يشدد عليه وفي آخر الكتاب يخفف، هل نقول: هذا أيضًا من السياسة الشرعية؟ الظاهر نعم صحيح، فإنه لا يمكن أن نجعل أول الشيء مثل آخره، بل لابد أن نراعي أحوال الناس.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا تسن الزيادة على قراءة الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر والعصر.

[مقدار القراءة في صلاتي الظهر والعصر]

٢٧٦ - وعن أبي سعيد الخدري رضي اله عنه قال: "كنا نحرز قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك، وفي الوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، والأخريين على النصف من ذلك". رواه مسلم.

هذا الحديث يقول "كنا نحرز" الحزر بمعنى: التقدير والحرص، فمعنى "نحرز" يعني: نخرص، ونقدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذا، ومن المعلوم أن الحزر ليس كالمتيقن أيهما أولى بالترجيح؟ المتيقن.

يقول " فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة، وهي معروفة، وهي طويلة، {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة من طوال المفصل، بل هي خارجة عن المفصل؛ لأن المفصل سوره قصار، ولهذا سمي مفصلًا، لكن {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة خارجة عن المفصل فهي طويلة؛ وظاهر كلامه أن الركعة الأولى كالثانية؛ لأنه قال: "في الركعتين الأوليين أما في الركعتين الأخريين فيقول: "قدر النصف من ذلك" وهذا واضح في أن القراءة في العصر أقصر من ذلك، يقرأ في الركعتين الأوليين قدر النصف من {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة وفي الأخريين قدر النصف من ذلك، فتكون العصر أطول ما فيها كأقصر ما في الظهر والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن الناس بعد العصر يشتغلون بالتجارة والبيع والشراء وما أشبه ذلك؛ فلهذا روعي التقصير في صلاة العصر، وإلا فوقتها طويل، لأنه سيمتد إلى اصفرار الشمس، أو إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فوقتها طويل يحتمل أن يقرأ {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة وما هو أطول، لكن مراعاة لأحوال الناس؛ لأن الشريعة الإسلامية تراعي أحوال الناس، أرأيتم الذين رأوا التجارة واللهو وهم يستمتعون إلى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا وما بقى معه إلا اثنا عشر رجلًا من أهل المسجد، كلهم خرجوا لا للهو بل للتجارة، ولهذا قال: {وإذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إلَيْهَا} [الجمعة: ١١]. أي: إلى التجارة لا إلى اللهو، واللهم: هو الذي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>