يصحب التجارة، وهو أنه جرت العادة أن الركب إذا جاءوا وأقبلوا إلى المدينة جعلوا يضربون بالدف لأجل أن يفزعوا الناس وينبهوهم على أنه قد جاءت عير فلما سمعوا هذا خرجوا لأنهم في حاجة شديدة، خرجوا يريدون ماذا؟ يريدون التجارة، والضمير واضح قال:{انفَضُّوا إلَيْهَا}، ولم يقل "انفضوا إليه" أي: إلى اللهو، قال:{انفَضُّوا إلَيْهَا وتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجَارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة: ١١] ثم أرشدهم الله عز وجل، فالنفوس مجيولة على محبة ما يربحها وعلى ما يناسبها فلذلك خفف في صلاة العصر من أجل أن ينتشر الناس في طلب الرزق.
في هذا الحديث فوائد منها: البناء على غلبة الظن، وهذه قاعدة شرعية، ولكن هل هي مطردة، أو فيما إذا تعذر اليقين؟ الجواب: في بعض الأحوال تكون مطردة ويكتفي الإنسان بغلبة الظن، وفي بعض الأحيان لابد من اليقين، فإذا كان هنا أصل يبنى عليه فلابد من يقين يرجع ذلك الأصل ولا يكتفى بالظن، وإذا لم يكن هناك أصل يبنى عليه، فإن من التيسير على العباد أنه يكتفي بغلبة الظن، مثال ذلك: إنسان شك وهو يطوف هل طاف ستة أشواط أو سبعة، وغلب على ظنه أنها سبعة ماذا نقول؟ يكتفي بغلبة الظن؛ لأنه ليس هناك شيء يعارض، فيكتفي بغلبة الظن ويبني على ظنه ولا يلتفت للشك، ولا يعود نفسه الشك، وإذا كان على طهارة فأحس بحركة وغلب على ظنه أنه أحدث من هذه الحركة هل يبني على غلبة الظن؟ نعم، لأن لدينا أصل وهو الطهارة، فالأصل بقاؤها، فلا يمكن أن يزيلها غلبة الظن، ومن أين أخذنا من هذا الحديث البناء على غلبة الظن؟ من قوله:"حزرنا".
ومن فوائد هذا الحديث: أن طول القراءة بالركعتين الأوليين على حد سواء؛ لأنه قال: في الركعتين الأوليين قدر {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة، وهذا يعارض حديث أبي قتادة؛ لأن حديث أبي قتادة:"كان يطول في الأولى ويقصر في الثانية" فبأيهما نأخذ؟ هل نأخذ بما يدل عليه حديث أبي قتادة؛ لأنه يقين، ما قال: إنه ظن، بل جزم به فهو متيقن له، ونقول: إن الخرص قد يخطئ، فقد يظن الظان أن الثانية كالأولى وهي أقل منها وهذا وارد، أو نقول: يمكن الجمع بين الحديثين، فالأغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الأولى أطول من الثانية، وأحيانًا تكون الأولى والثانية متساويتين، فيكون يفعل هذا أحيانًا وهذا أحيانًا، أحيانًا تكون الثانية أطول من الأولى كما في سورتي الجمعة والمنافقون، أو سبح والغاشية، أيهما أطول الجمعة والمنافقون أو سبح والغاشية؟ إذن نقول: الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجعل الركعة الأولى أطول من الثانية وربما جعلهما متساويتين، وربما زاد في الركعة الثانية على الأولى، لكن لا تكون زيادة الثانية على الأولى زيادة بينة كزيادة النصف مثلًا بل زيادة يسيرة بل قال بعض أهل العلم: نقدم حديث أبي قتادة، وعلل ذلك بأن حديث أبي قتادة مبني على يقين، وحديث أبي سعيد