يقدر عليه، والمعتزلة يقولون: أفعال العباد غير مشيئة لله؛ يعني: أن الله لا يشاؤها، وعلى هذا فلا يقدر عليها، وحينئذٍ يتفرع على ذلك أنه لا يقدر أن يهدي ضالا ولا أن يضل مهتدياً، فصارت هذه الكلمة التي يتزين بها بعض الناس ويختم بها كلامه أو دعاءه كلمة غلط، أولاً: لمنافاتها ما أطلقه الله، وثانياً: لإيهامها لمعنى فاسد.
فإن قال قائل: بماذا تجيبون عن قوله تعالى: {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير}[الشورى: ٢٩].
قلنا: المشيئة هنا مقيدة للجمع لا للقدرة؛ ولهذا جاءت بعد ذكر الجمع لا بعد ذكر القدرة، ويقال: وهو على جمعهم إذا شاء قدير إذا شاء الجمع قدير، خلافاً لمن قال: إن الله لا يقدر على البعث وقال: {من يحى العظام وهي رميم} فيقال: إذا أراد الله عز وجل وشاء فالأمر عليه هين، {وهو الذي يبدؤا الخلق يعيده، وهو أهون عليه}[الروم: ١٧]. إذن القدرة على كل شيء لا تقيد، بل قل: وهو على كل شيء قدير.
[الفرق بين القدرة والقوة]
القدرة ما ضدها؟ العجز، والقوة؟ الضعف، أيهما أعم؟ بينهما عموم وخصوص من وجه؛ لأن القوة تشمل من له شعور ومن ليس له شعور؛ يعني: الحي الجماد يقال للحي قوي ويقال للجماد قوي الحديد قوي وهو جماد، والإنسان خلق من ضعف، ثم من بعد ضعف قوة ثم من بعد قوة ضعفاً وشيبة، وهي للحي، وهي أخص من جهة أنها قدرة وزيادة؛ لأن كل قوي من الحي قادر وليس كل قادر قوي، من جهة أخرى القدرة أخص من جهة متعلقها لأنها لا تكون إلا من حي؛ ولهذا لا يمكن أن نقول للحديد: إنه قادر ونقول للحي، إنه قادر فالإنسان قادر والحيوان قادر، وكل ذي روح يوصف بأنه قادر، ولنضرب مثلاً يتبين به الأمر: رجل قيل له: احمل هذه الصخرة فحملها بسرعة ووضعها فوق رأسه ماذا نقول لهذا؟ قادر وقوي مثال آخر: قيل لهذا الرجل: احمل الصخرة فجاء يحملها فثقلت عليه ثم تعصب وتلون وجهه واشتدت عضلاته ما هذا؟ قادر وليس قوياً، وقيل للثالث: احمل الصخرة فجاء يزحزحها فعجز لم يستطع رفعها قدر شعرة ما نقول؟ نقول: عاجز، إذن هذا هو الفرق بين القوة والقدرة بينهما عموم وخصوص وجهي.
ثم قال:"من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل"، "كان كالذي أعتق" أي: حرر من الرق، "أربعة أنفس من ولد إسماعيل" أربعة أنفس، ولم يقل: أربع أنفس مع أن النفس مؤنثة: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}[البقرة: ٢٨٦]. مؤنثة، لكن لما كانت أنفس بمعنى رجال صار العدد المضاف إليها مؤنثاً، "أربعة أنفس من ولد إسماعيل"، من إسماعيل؟ إسماعيل بن إبراهيم أبو العرب، وإنما خص ولد إسماعيل؛ لأن أفضل أجناس بني