١٢٠٤ - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلاَّ الحدود". رواه أبو داود، والنسائي والبيهقي.
"أقيلوا" يعني اعفوا واسمحوا، ومنه إقالة البيع أن الرجلين إذا تعاقدا عقد بيع ثم طلب أحدهما الفسخ فوافقه الآخر تسمى هذه إقالة، فالمراد بالإقالة هنا العفو والسماح، وقوله:"ذوي الهيئات" ليس المراد بذوي الهيئات: هيئة المنظر، ولكن المراد بذوي الهيئات أي: ذوي الشرف والسؤدد من الناس؛ لأن الناس يختلفون، ذوي الشرف والسؤدد قد يؤثر فيهم هذا الشيء تأثيراً بالغا، والآخرون لا يهتمون به، إذن المراد بالهيئات: الشرف والسؤدد، وليس المراد: هيئة الإنسان بان يكون له هندام يصلحه ويعمل عليه ويرجل الشعر ويدهن دائمًا ويلبس فى الصباح ثوبًا، وفي المساء ثوبًا وهو أيضًا قامته طويلة ووجهه جميل ليس هذا المراد ولكن المراد بالهيئات: الشرف والسؤدد وقوله: " عثراتهم" جمع عثرة وهي: الزلة، وذلك بفعل مالا ينبغي أن يفعلوه، "إلا الحدود" فإن الحدود لا تقال من أحد مهما كان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
ففي هذا الحديث فوائد متعددة: منها: مراعاة حال الشخص في التعزير، وأنه ربما نعزر فلانًاعلى هذا العمل، ولا نعزز فلانًا.؟
فإن قائل: لو ظهر هذا في المجتمع لكان فيه ضرر كبير، إذا إن العامة لا يفرقون بين التعزير والحد؛ إذ سيقولون مثلًا لماذا حبس فلانًا لما فعل كذا ولم يحبس فلان؟ قيل: لأنه من ذوي الهيئات حينئذ ينفر الناس.
فيقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا يشترط فيه ألا يتضمن مفسدة أعظم من إهانة هؤلاء الشرفاء، فإن تضمن مفسدة أعظم فإنه لابد أن يعاملوا كما يعامل غيرهم.
ومن فوائد الحديث: حكمة الشرع وذلك بتنزيل الناس منازلهم، وهذه من أهم ما يكون فى معاملة الخلق أن تنزل الناس منازلهم حتى في الدعوة إلى الله ينزل الناس منازلهم، منهم من ندعوه باللين واللطف، ومنهم من يكون بالعكس، حتى قال الله تعالى:{ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}[العنكبوت: ٤٦]. فهؤلاء لا تجادلهم بالتى هي أحسن بل التي هي أشد واشق، لأنهم معاندون ظالمون.