والآيات في هذا متعددة فعليه يكون المراد بالحد هنا: الحكم إن كان واجباً فليجلد حتى يقوم بالواجب، وإن كان محرمًا فليجلد حتى يكف عن المحرم.
فإذا قال قائل: على القول بان المراد بالحد الحكم الشرعي فما المراد بقوله: " لايجلد إلا فى حد؟ ".
قلنا: لا يجلد هذا منصبِّ على ما إذا جلد الإنسان ولده من أجل إجلاله بالمروءة مثل أن يقول لوالده: يابني، إني قد دعوت فلانًا وفلانًا انتظرهم بعد صلاة العشاء، فأهمل الابن ذلك، فللأب أن يجلده إلى عشر جلدات ولايزيد، هذا على القول بان المراد بالحدود: الحكم الشرعي وهو الصحيح.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: تحريم الزيادة على عشر جلدات فيما يؤدب به الإنسان ولده، واما إذا كان فى حكم شرعي فيجلد أكثر من ذلك، وهل يمكن أن نقول: إننا لو وجدنا رجلًا قد خلا بامرأة وباشرها وقبلها وراجعها عدة ليال. نقول: نعزره بعشر جلدات فأقل هذا لا يمكن أن صلح الناس، وعلى القول بأن المراد بالحد هنا العقوبة المقدرة يقولون: إنه إذا وقع مثل هذه القضية فإننا نجلد المرأة والرجل عشر جلدات فأقل، ومعلوم أن هذا لا يصلح الخلق، أما على القول الصحيح فإن لنا أن نجلده أكثر: عشرين، ثلاثين إلى تسع وتسعين، ولا نصل إلى المائة؛ لأن الزنا أعظم من هذا الفعل ومع ذلك عقوبته مائة جلدة؛ ولهذا لا يبلغ بالتعزير الحد إذا كانت المعصية من جنس الذي فيه الحد: تقبيل المرأة، الخلوة، مباشرتها، السفر بها، لكن بدون زنا لا يبلغ به مائة جلدة، رجل مثلًا اعتدى على الناس صار يضرب هذا وينهب مال هذا ويشتم هذا هل يمكن أن نعزره بمائة جلدة أو أكثر؟ لا؛ لأن هذا ليس من جنس الزنا الذي فيه الحد.
ومن فوائد الحديث: الرفق بالأهل والأولاد بحيث لا نجلدهم أكثر من عشر جلدات فيما يتعلق بالتأديب والمروءة.
فإن قال قائل: هذا حد في العدد فهل هناك حد فى الكيفية أو فى السوط؟ نقول نعم لابد أن يكون الضرب غير مبرح لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يخطب:"ولكم عليهن- أى: الزوجات- ألاَّ يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح"، ويشترط أيضًا ألا يكون في الوجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه، أما بالسوط فيجب أن يكون سوطًا ليس جديدًا فيؤثر ولاخلقًا فلا ينفع لابد أن يكون وسطًا.