للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مشروعية رفع اليدين في الاستسقاء]

٤٩٠ - وعن أنش رضي الله عنه: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل يغيثنا، فرفع يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ... ". فذكر الحديث، وفيه الدعاء بإمساكها. متفق عليه.

يقول: "والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب" هذه الجملة في موضع نصب على الحال، وقوله: "قائم" خبر المبتدأ، و"يخطب" يجوز أن تكون خبرًا ثانيًا، ويجوز أن تكون حالًا من الضمير المستتر في "قائم".

وقوله: "هلكت الأموال" ما المراد بالأموال؟ الأموال التي يتوقف بقاؤها على السبيل والخصب مثل الإبل، والبقر، والغنم، ومثل الزروع أيضًا.

"انقطعت السبل" السبل: الطرق، وانقطاعها لأجل ضعف الإبل التي تحمل الناس في هذه الطرق؛ حيث إنها قد هزلت حتى كادت لا تسير بالناس.

وقوله: "فادع الله عز وجل يغيثنا" يعني: اسأله: لأن الله عز وجل هو الذي إليه الملجأ: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله- الجواب: لا- قليلًا ما تذكرون} [النمل: ٦٢]. فالله عز وجل هو ملجأ الخلق إذا أصابتهم الضراء ما يجأرون إلا إلى الله- سبحانه وتعالى-، قال الله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجرون تخوفٍ (٥٣)} [النحل: ٥٣].

وقوله: "فادع الله عز وجل يغيثنا" فيها إشكال من الناحية اللغوية، فما هو الإشكال؟ هو "يغيثنا" جواب طلب، فلا بد أن يكون يغيثنا مجزومًا، فالجواب: أنها ليست جوابًا للطلب، بل هي بيان لما يقصده السائل من الدعاء، بمعنى: أن الجملة استئنافية بيان ما يريده السائل مما طلبه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه يريد الغيث.

قال: "فرفع يديه نحو السماء ثم قال: اللهم أغثنا"، سبق لنا أن "اللهم" يعني: يا الله، فحذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وجعلت الميم في الآخر تيمنا بالبداءة باسم الله عز وجل، "أغثنا" هذه فعل دعاء؛ لأن كل طلب موجه إلى الله عز وجل، لا يمكن أن يكون أمرًا وإنما هو دعاء، ومعنى "أغثنا": أزل عنا الشدة؛ لأن الغوث هو إزالة الشدة.

وهذا الحديث- كما ترون- معناه: أن هذا الرجل دخل والرسول- عليه الصلاة والسلام- يخطب الناس يوم الجمعة فتكلم مع الرسول- عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام، وبين له أنه في حاجة إلى الكلام؛ حيث إن الأموال قد هلكت والسبل قد انقطعت، وهو في حاجة إلى أن يطلب من النبي- عليه الصلاة والسلام- أن يدعو الله له بالغيث، فأجابه النبي- عليه الصلاة والسلام- ودعا الله، ورفع يديه وقال: "اللهم أغثنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>