قال أنس رضي الله عنه راوي الحديث:"والله ما في السماء من سحاب- يعني: منتشر- ولا قزعة- قطعة من الغيم- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار". "سلع": جبل في المدينة معروف تأتي من نحوه السحب، يعني: السماء صافية صحوة فأنشأ الله تعالى سحابة فخرجت من وراء السلع، مثل: الترس صغيرة، ثم ارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت وبرقت فأمطرت، "فلم ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته"، هذه قدرة عظيمة من الرب عز وجل، لو اجتمع الخلق كلهم على أن يأتوا بمثل هذا ما أتوا به، وهي آية للرسول- عليه الصلاة والسلام- دالة على صدقه؛ لأن الله تعالى أجاب دعاءه في هذا المشهد العظيم، وبهذه القدرة التامة، والسرعة البالغة، "ثم بقي المطر سبتًا كاملًا" يعني: من الجمعة إلى الجمعة، والسماء تمطر، فجاء رجل من الجمعة الثانية- أو الرجل الأول- فقال:"يا رسول الله، غرق المال، وتهدم البناء"- من كثرة السيول- غرق الزرع، وربما تكون الأودية حملت بعض المواشي فأغرقتها "غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، وجعل يشير حواليه بيده- عليه الصلاة والسلام-، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله، ليس بقدرة النبي- عليه الصلاة والسلام-، ولكن بإذن الله، لأنه يسأل الله يقول: "اللهم حوالينا"، فكانت المدينة ما عليها صحو خرج الناس يمشون في الشمس، وما حولها يمطر.
قال أنس: "وسال قناة شهرًا". "قناة": وادٍ بالمدينة جعل يمشي شهرًا كاملًا من هذا المطر، وبهذا يتبين تمام قدرة الله عز وجل، في سوق السحاب، وفي تفريق السحاب، ويتبين أيضًا آية للرسول صلى الله عليه سولم كما مر.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: جواز الكلام مع الخطيب؛ لأن الصحابي تكلم، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره؟ الثاني، وقد سبق أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، وسبق أيضًا الاحتجاج بما وقع في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولم ينكر، وإن كنا لا نعلم أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- علم به، ما وجهه؟ وجهه: إقرار الله له؛ ولهذا قال جابر رضي الله عنه: كنا نعزل والقرآن ينزل. فكل في دفع فعلًا وقع في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولم نعلم أنه علم به كل من دفعه بهذه العلة، فإن دفعه مدفوع، وضربنا فيما سبق مثلًا بقصة معاذ بن جبل حيث كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفريضة ويذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فريضة، وقلنا: إن فيه دليلًا على جواز ائتمام المفترض بالمتنفل، وإن الذين منعوا ذلك قالوا: إننا لا نعلم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- علم بفعل معاذ، وأجبنا عن ذلك بأن هذا بعيد، وأنه لو فرض أنه لم يعلم فإن الله تعالى يعلم ذلك؛ ولهذا إذا وقع شيء لا يعلمه الرسول- عليه