١٤٦٠ - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله خيراً؛ بفقهه في الدين». متفق عليه.
"من" شرطية، فعل الشرط:"يرد" وهو مجزوم، لكن حُرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وجواب الشرط:"يفقه في الدين"؛ يعني: إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين؛ أي: جعله فقيهاً في الدين؛ أي في أحكام الدين؛ وهذا يشمل أحكام الدين العقدية والفرعية التي هي القول والعمل، بل الفقه في الدين المتعلق بأعمال القلوب وأحوال القلوب هو الفقه الأكبر ولهذا سمي أهل العلم العلم بالتوحيد، والعقيدة: الفقه الأكبر؛ لأن الفقه الأصغر الذي هو المتعلق بأفعال المكلفين وسيلة للأكبر المتعلق بذات الله وصفاته؛ فلهذا كان الفقه الأكبر هو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
في هذا الحديث: إثبات الإرادة لله عز وجل لقوله: "من يرد الله خيراً" وأعلم أن الإرادة نوعان: - أعني: إرادة الله - إرادة شرعية، وإرادة كونية، فالإرادة الكونية هي التي بمعنى المشيئة؛ فقد أراد الله أي: شاء، والإرادة الشرعية هي التي بمعنى المحبة، أراد بمعنى: أحب، هذا الفرق بين حقيقتيهما، أما الفرق بينهما من حيث الحكم والأثر المترتب عليهما: أن الإرادة الكونية لابد من وجود المواد الذي أراده الله يتعين أن يقع ويتعلق فيما يحبه وما لا يحبه، يعني: لا يلزم ان يكون المراد محبوباً إلى الله لكن يلزم من هذه الإرادة الوقوع.
والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد، وتختص بما أحب، ولا علاقة لها بما كره، فقول الله تبارك وتعالى:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة: ١٨٥]. هذه شرعية، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم}[المائدة: ٦]. شرعية، {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها}[الإسراء: ١٦] كونية، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}[البقرة: ٢٥٣]. كونية، إذن فهمتم الفرق.
فإذا قال قائل: هل الله يريد الشر؟
فالجواب أن نقول: أما شرعاً فلا، وأما كوناً فنعم. ولكن اعلم أن الشر الذي يريده الله كوناً هو شر إضافي. وليس شراً محضاً، شر إضافي باعتبار المراد، أما باعتبار إرادة الله له فليس بشر كالجدب والقحط والمرض والصوت والفقر وما أشبه ذلك، هذا شر لكن كون الله يريده خيراً، لا شك أن المطر خير، لكن قد يكون شراً إذا هدم البناء وأغرق صار شراً، لكن هو نسبي، وإلا فالأصل فيه أنه خير، لكن قد يقدر الله فيه هذا الشر لحكمة.