في القلب منه شيء؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" فجعل اختلاف القلوب مبنيًا على اختلاف الأجسام، لكن إذا صار جنبك وحرص على أن يكون وزنك تمامًا تجد أنك تألفه وتحبه وتقول: هذا ليس فيه كبر، بل هو قد جعلني كنفسه.
الفائدة الأخيرة: أن الشارع إنما شرع الجماعة من أجل ائتلاف القلوب واجتماعها وكون الأمة الإسلامية جماعة واحدة.
[أفضلية الصف الأول للرجال]
٣٩٤ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرِّجال أوَّلها، وشرُّها آخرها، وخير صفوف النِّساء آخرها، وشرُّها أوَّلها". رواه مسلم.
قوله:"خير صفوف الرجال"، الصفوف: جمع صف، وهو أن يقف الإنسان إلى جنب أخيه حتى يكونوا صفًا واحدًا، وقوله "خير وأولها"، الجملة واضحة أنها خبرية (خير) مبتدأ، والخبر (أولها)، و "أولها" هو: الذي يلي الإمام وليس الذي يلي المنبر؛ لأنك لو أردت أن تعدَّ الصفوف من أين تبدأ؟ من الذي خلف الإمام، وهذا الذي نقوله في مسجد يكون منبره وسط المسجد كما يوجد الآن في المسجد النبوي وكان أيضًا في المسجد الحرام، فقد كان منبره -كما أدركته أنا- متأخرًا؛ لهذا اختلف العلماء -رحمهم الله-: هل الصف الأول هو الذي يلي الإمام أو الذي يلي المنبر؟ والصواب بلا شك: أنه هو الذي يلي الإمام، وقوله "وشرها آخرها"، آخرها آخر شيء منها يكون هو شرُّها، وذلك فيما لو تعمد الإنسان أن يدع الصف الأول؛ ليكون في الآخر كما يوجد في بعض الناس الآن، خصوصًا في يوم الجمعة تجده يأتي مبكرًأ ويتكئ على عمود في آخر المسجد، فيدخل في هذا.
وهنا إشكال في قوله:"خير وشر"، إن نظرنا إلى الجملة الأولى قلنا: إن الخير موجود في الصف الأول وفي الصف الأخير، وإن نظرنا إلى الثاني قلنا: إن الشر موجود في الصف الأول وفي الصف الأخير؛ لأنه قال:"خيرها وشرها"، وهذا يقتضي أن تكون الجملتان متضادتين.
والجواب على ذلك: أن يقال المراد بالشرِّ هنا: الشرُّ النسبي، فهو شر بالنسبة إلى ما قبله، ولا يلزم على هذا أن يكون في الأول شر، وقد يراد بالشر هنا: الأردأ، ولا يلزم أن يكون في الطرف المفضل شرُّ منه، كما في قوله تعالى:{أصحاب الجنّة يؤمئذ خيٌر مستقرًا}(الفرقان: ٢٤)؛ ومن المعلوم أن مستقر أهل النار لا خير فيه إطلاقًا. ثم قال:"وخير صفوف النساء آخرها" عكس الأول، ففي هذا الحديث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم