صلاتهم، ومما يقوي الوجوب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قطع صفًّا قطعه الله" وهذا وعيد يقتضي أن يكون الأمر بالمراصة على سبيل الوجوب.
ومنها: مشروعية المصافة لقوله "صفوفكم" وهو ظاهر، ولهذا يجب على الإنسان أن يصلي في الصف كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
ومنها: مشروعية المقاربة بين الصفوف لقوله "وقاربوا بينها"، وهذا الأمر للاستحباب، وذلك لأنه لم يد في مخالفته مثل ما ورد في مخالفة المصافة، ولكن القرب بينها ما حدُّه؟ الظاهر أن حده إلى محل السجود ما دام ليس له هذا القرب، نقول: حده: أن يتمكن الصف الثاني من السجود خلف الأول براحة.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: المحاذاة بالأعناق، وعندنا في هذا أمران: محاذاة وكونها بالأعناق، أما المحاذاة فقد امر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والأصل في الأمر الوجوب، ويدل عليه الأحاديث الآتية -إن شاء الله تعالى- الدالة على وجوب تسوية الصف، وأما قوله:"بالأعناق" فهذا إرشاد إلى الوسيلة التي يحصل بها المحاذاة، وهي أن يكون عنقي حذاء، عنق جار من اليمين واليسار.
لكن لو تحاذينا بغير الأعناق بالمناكب مثلًا يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأنه قد حصل به المقصود؛ لأن هذا إرشاد إلى وسيلة تحصل بها المحاذاة، وما كان كذلك فإنه يذكر على سبيل المثال فقط وليس على سبيل التعيين.
لو قدر أن أحدًا عنده حدب من المأمومين كيف يحاذي بالأعناق؟ يتعذر، فيحاذي بالأكعب، ولهذا نصَّ الفقهاء -رحمهم الله- أيضًا على الأكعب؛ لأن الغالب أن الأكعب لا يخصل فيها خلاف، ثم إن الأكعب مركب عليها البدن تمامًا حتى لو خطا الإنسان بكعبه يتبعه البدن، إذن هذا من فوائد الحديث: وجوب المحاذاة بين الصفوف وهو الضحيح.
ومن فوائد هذا الحدبث: الإشارة إلى المعنى الذي من أجله شرعت الجماعة وهو الالتئام والاجتماع والتآلف، وذلك بالتقارب والمحاذاة والمراصة. ما رأيكم لو كان المسجد كبيرًا واسعًا حتى صار الصف الأول بينه وبين الثاني عشرة أمتار، وما بين الثاني والثالث عشرة أمتار وهكذا هل يحصل الاجتماع والالتئام؟ لا، بل يشعر كل واحد كأنه بعيد من الثاني، وكذلك لو حصل التفرق بين الأقدام في الصف الواحد، فلا يكون هناك اجتماع، ثم إن التساوي أيضًا بالمحاذاة سبب تام للتآلف وعدم الاختلاف؛ لأن الواحد إذا تقدم على أخيه لا شك أنه يصير