١٢١١ - وعن عبد الله بن عُمر رضي الله قال:(جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد. فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) مُتَّفق عليه.
(رجل) منهم، وكثيرًا ما تجد هذه المبهمات، ولكن قد اعتنى بعض العلماء ببيانها، ومنهم من وصل به الحال إلى حد التكلف، والحقيقة أن بيان المبهم إذا كان مصلحة فجدير أن يبذل الإنسان وقته في بيانه، وإلا فالمهم هُو معرفة الحكم. وقوله:(يستأذن في الجهاد) أي: يطلب الإذن، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:(أحي والداك؟ ) الجملة استفهامية للاستعلام يعني: يستعلم الرسول هل له من ذلك، وقولة:(أحي والداك) هذا التركيب مما يتعين فيه أن يكون الفاعل نائبا مناب الخبر، لماذا؟ لأن الوصف مفرد والفاعل مثنى، فيتعين أن يكون الوصف مبتدأ، و (والداك) خبره، لأننا لو قلنا:(والداك) مبتدأ مؤخر لم يطابق الوصف للمبتدأ وهذا متعذر، ولو قال: وأحيان (والداك) جاز لكي تكون (حيان) خبرًا مقدمًا، و (والداك) مبتدأ مؤخرًا، ولا يجوز أن تكون (والداك) فاعل سد مسد الخبر إلا على لغة أكلوني البراغيث، إذن (حي) مبتدأ، و (والداك) فاعل سد مسد الخبر.
وقوله:(والداك) يعني: أمه وأباه، وهل هذا من باب اتغليب أولا؟ هل يطلق كلمة والد على الأب والأم أو على الأم وحدها؟ {إن أُمَّهتُهُم إلَّا التَّي ولدنهُم} الولادة تطلق على الأم، لكن هل الأب يقال: والدا؟ نعم، والشاهد:(لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يعطي ولده)، والمراد به هنا: الأب كما ذكر أهل العلم، على حال: والداك إذن ليست من باب التغليب، لأن الوالد يطلق على الأب وعلى الأم.
(قال: نعم)، حرف جواب، أي: أنهما حيان، قال:(ففيهما فجاهد) يعني: اجعل جهادك فيهما، وقوله:(وفيهما) الفاء عاطفة، وقوله:(فجاهد) الفاء زائدة لتحسين اللفظ، والأصل:(ففيهما جاهد)، وتاتي زائدة في قولك: فقط، والأصل: قط.
هذا الحديث يفيد: أن حق الوين مقد على الجهاد، فهل هُو على إطلاقه؟ سيأتي في الفوائد.
يستفاد من الحديث: أولًا: وجوب استئدان ولي الأمر في الجهاد، هل يفيد الوجب الوجوب أو يفيد أنه الأولى والأفضل؟ الثاني أنه ينبغي لمن أراد الجهاد أن يستأذن من ولي الأمر لئلا يجاهد من لا يصلح للجهاد