ومن فوائد الحديث: أن النَّبي صلى الله عليه لا يعلم الغيب لقوله: (أحي والداك؟ )، وهذا أمر يكاد يكون معلومًا بالضرورة لدلالة الكتاب والسنة عليه دولة صريحة واضحة وأنه لا يعلم الغيب صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: مشروعية استفهام المفتي حتى لا يجيب بكلام مطلق أو عام مع وجوب التقييد أو التخصيص لقوليه: (أحي والداك؟ ).
فإن قال قائل: الأصل عدم التفصيل إلا فيما دعت إليه الضرورة.
فيقال: لعل النَّبي صلى الله عليه وسلم فهم من حال السائل أنه لابد من الاستفهام، فعندي أنه يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا الرجل غير صالح للجهاد وأراد أن يعرف هل له والدان حتى يكون جهاده في والديه مغنيًا عن جهاد الأعداء، لأن من الناس من نأذن له أن يجاهد لكونه أهلًا للجهاد في القوة والشجاعة، ومن الناس من لا نأذن له ونوجهه إلى جهاد آخر وإلا فلو جاء أحد يستأذن مني ويقول: أفاد جاهد وأنا أرى أنه رجل شجاع قوي فلا حاجة للاستفصال، ولكن يظهر لي- والله أعلم- أن النَّبيّ صلى رأى من حال الرجل أن جهاده في والديه أفضل من جهاده للكفار.
ومن فوائد الحدث: أن الاقتصار على (نعم)، في الجواب دون إعادة السؤال يحصل به المقصود، لأن النبَّي صلي الله عليه بني على كلامه حين قال (نعم)، وكذلك الإشارة تقوم مقام العبارة شرعًا أو حساً أو لا يشترط؟ يرى بعض العلماء أن الإشارة لا تقوم مقام العبارة إلا إذا تعذرت العبارة شرعًا كما لو كان الإنسان في صلاة واستأذنه احد أو سلم عليه، فهنا يتعذر الرد بالعبارة، ومن ثمَّ فلا بد من الإشارة، أو تعذرت حسًا كالأخرس، أما إذا أمكن فإنه لا تقوم الإشارة مقامه، والصحيح أنها تقوم مقامه مطلقًا إلا ما شرط فيه النطق كإيجاب النكاح والطلاق وما أشبه ذلك، ولهذا لو أن امرأة سألت زوجها الطلاق قالت: طلقني، فقال برأسه فلا يكفي، لأنه لابد من لفظ الطلاق أو ما يقوم مقامه من العبارات، الكتابة تقوم مقام النطق حتى وإن أمكن النطق، ولهذا لو كتب الإنسان: في ذمتي لفلان كذا وكذا، أو زوجتي طالق، أو عبدي حر، أو بيتي وقف نفذ، وإن لم يكن عاجزًا عن النطق.
ومن فوائد الحديث: تقديم القيام بحق الوالدين على الجهاد، لقوله:(ففيهما فجاهد)، ولكن هذا ليس على إطلاقه كما تفيده الأدلة الشرعية، فإذا كان حق الوالدين واجبًا فهو مقدم على الجهاد، لأنه واجب عيني لشخص خاص مثل ألاَّ يوجد أحد يقوم بحاجة الوالدين إلا هذا الولد، فالواجب تقديم حق الوالدين هنا على الجهاد ولو كان فرض عين، اللَّهم إلا في المسائل التَّي سبقت إذا حضر الصف، أو احتيج إليه حاجة ضرورية أو ما أشبه ذلك، وأما إذا كان عندهما من يقوم مقام هذا فلينظر إلى المصلحة.