ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن من تعلق بشيء تعلقاً تاماً صار له مثل العبد، ولذلك نجد العشاق يفخرون بأن يوصفوا بأنهم عبيد لمن عشقوهم، كما قال الشاعر:
(لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي)
لماذا؟ لأنه يتلذذ بكونه رقيقاً لها -والعياذ بالله-. ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يكون رضاه فيما يرضي الله وسخطه فيما يسخط الله، لا أن يكون ذلك تبعاً للدنيا؛ لأن الدنيا فانية. إذن فالحديث هنا من باب الزهد والورع معاً؛ لأن ترك ما يضر ورع، وترك ما لا ينفع زهد.
[كن في الدنيا كالغريب]
١٤١١ - وعن ابن عمر (رضي الله عنها) قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمنكبي، فقال:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».
-وكان ابن عمر (رضي الله عنها) يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك». أخرجه البخاري. «المنكب»: طرف الكتف، ولكل إنسان منكبان، أخذ بمنكبيه من أجل أن ينتبه لما يلقي إليه فقال:«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، أوصاه بهذه الوصية أن يكون في الدنيا كالغريب، الغريب: هو من أقام في غير وطنه، ومعلوم أن من أقام في غير وطنه لا تتم له الراحة، بل هو في قلق، لأنه يخرج إلى المسجد لا يرى أحداً يعرفه لأنه غريب، أو عابر سبيل وهذا أشد، عابر السبيل ليس له إقامة فهكذا تكون في الدنيا، وهو إشارة إلى أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عن أهل الدنيا وأن يكون بينهم كالغريب أو كرجل عابر سبيل لا يريد المكث، ومما يذكر عن الشافعي:
(ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلينا عذبها وعذابها)
(فلم أراها إلا غروراً وباطلاً ... كما لاح في ظهر الفلاة سرابها)
(فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها)
وهذا الأخير محط الشاهد، وهو حق، ألا ترى أنك إن اجتنبت الدنيا اجتنبك الناس، وليس