يكون إلا في الغدوة، أي في أول النهار، فإذا صار "لا يتغدى إلا بعد" دل هذا على أنهم يبكرون بها، وزعم بعضهم أن قوله:"ما كنا نقيل" أن القيلولة بعد الظهر وليس قبل الظهر، وأما قوله:"ولا نتغدى" فمعناه أنه يؤخر الغداء إلى بعد الظهر من أجل صلاة الجمعة، وهذا يقوله من يرى أنه لا يجوز صلاة الجمعة بعد الزوال، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لو كانت القيلولة أصلها بعد الظهر لم يكن لقوله:"ما كنا نقيل إلا بعد الجمعة"، [فائدة]؛ لأنه إذا كانت القيلولة من العصر بعد الظهر فلا فائدة لقوله:"بعد الجمعة"؛ لأن هذا معلوم في الجمعة وفي الظهر وفي سائر الأيام، والصواب ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنابلة من أن صلاة الجمعة تجوز قبل الزوال، ولكن المشهور من المذهب أنها تجوز من حين ترتفع الشمس قيد رمح إلى وقت العصر، ولهذا على هذا القول هي أطول الصلاة وقتًا.
والقول الثاني في مذهب الحنابلة: أنها إنّما تجوز الساعة السادسة، يعني: إذا انتهت الخامسة دخل وقتها فيكون قبل الزوال بساعة.
وقوله:"في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فائدة إتيان المؤلف بهذه الرواية ليكون الحديث مرفوعًا حكمًا؛ إذ إنه لو قال: "ما كنا نقيل" لأمكن لقائل أن يقول: لعل هذا بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: "في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم" فهو دليل على أنه مرفوع حكمًا، وقد سبق لنا في المصطلح أن الصحابي إذا قال: "كانوا يفعلون"، أو "كنا نفعل" حتى لو لم يقل: "على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم"، فالصحيح أنه مرفوع حكمًا؛ لأن الصحابي يأتي بمثل هذا للاحتجاج به على أنه من فعل الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
[العدد الذي تنعقد به الجمعة]
٤٢٥ - وعن جابر رضي الله عنه: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا، فجاءت عيرٌ من الشَّام، فانفتل الناس إليها، حتّى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا". رواه مسلم.
"كان" فعل ناقص واسمها مستتر، و"قائمًا" حال من فاعل "يخطب" أما خبر "كان" فهي جملة "يخطب".
"كان يخطب قائمًا" يعني: الجمعة، "فجاءت عير من الشام"، العير هي: الإبل المحملة، وأكثر ما تكون محملة بالطعام هذه العير، وقوله: "من الشام" الظاهر أن المقصود من نفس الشام ليس معناها الجهة الشمالية مثلًا، ولكن من الشام نفسها، "فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا"، العير هذه محملة بالطعام قدمت المدينة وكانوا بحاجة إليها، فلما سمعوا بها انفتلوا؛