مثل أن أعرف أن هذا الذي أهدي إلي قد سرقه من فلان أو فلان أو غصبه من فلان، فهنا لا يجوز قبوله، فإن كان الواهب أو المهدي ممن كسبه حرام لكن بعينه يعني: لم يهد إليَّ شيئا محرما لعينه أو بعينه لكن كسبه حرام، فهل يجوز أن أقبل هديته - كشخص يتعامل بالربا- فهل يجوز أن أقبل هديته؟ الصحيح أنه يجوز أن تقبل هديته؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل هدية اليهود وهم يأكلون السحت، ويأكلون الربا، ولأن هذا محرم لكسبه، والمحرم لكسبه يتعلق حكمه بالكاسب لا بمن تحول إليه على وجه مباح، نعم لو فرض أن في رد هدية هذا الذي يكتسب المال الحرام ردعا له عن الكسب الحرام كان ردها هاهنا حسنا من باب تحصيل المصالح ودفعا للمفسدة، أما إذا لم يكن فيه مصلحة فلا يجب علي ردها.
هذه الشروط التي ذكرناها مأخوذة من أدلة أخرى غير هذا الحديث.
[فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها]
وقوله:«يثيب عليها» هل الثواب واجب؟ لا، لكنه من مكارم الأخلاق إلا إذا علمت أنه أهدى إلي لأثيبه، فحينئذ تجب الإثابة، مثال ذلك: هذا رجل أمير أملك جاء شخص صعلوك فأهدى إليه فرسا تساوي خمسة آلاف ريال، فقال له الأمير: جزاك الله خيرا وأخلف عليك، وصرفه، فهل هذا يكفي؟ لا يكفي؛ لأن قرينة الحال أنه يريد الثواب، ولهذا قال العلماء: إنه تجب الإثابة إذا علمنا أن الواهب يريد الثواب، وهذا صحيح كما قالوا: إنه يحرم قبول الهدية إذا علمنا أنه أهدى خجلاً وحياء فإنه يحرم قبول الهدية، فهذه أيضا تجب الإثابة أيهما أولى أن يثيب أو أن يرد الهدية؟ أن يثيب؛ لأن هذا هو هدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولأن في هذا جبرًا لقلب المهدي؛ لأنك لو رددت الهدية سوف يحدث في ذهنه لماذا ردها أكراهة لي أم في مالي حرام أم كذا أم كذا؟ لكن إذا قبلت فأثب إذا كنت تخشى أن صاحبك قد خسر عليها شيئا كثيرا، فأثب عليها، ويزول بذلك المحظور.
«كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية» وربما سأل الهدية لكن لمصلحة، مثال ذلك قصة السرية الذي بعثهم النبي (صلى الله عليه وسلم) فنزلوا إلى قوم ضيوفا فلم يضيفوهم وقدر الله (عز وجل) أن لدغ سيد القوم لدغته عقرب، فطلبوا من يقرأ عليه فقالوا: لعل هؤلاء القوم معهم راقٍ، فجاءوا إلى الصحابة وقولوا: إن سيدنا لُدِغ، وإنا نطلب من يرقي عليه، قالوا: ما نرقي عليه إلا بجعل، والصحابة معهم حق؛ لأنهم ما ضيفوهم، فجعلوا لهم غنما، فذهب أحدهم وجعل يقرأ عليه من فاتحة الكتاب فقط حتى قام الرجل كأنما نشط من عقال، ثم ترددوا في هذا، وقالوا: لا نأكل من الغنم حتى نصل إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ونخبره، فلما وصلوا إلى المدينة، وأخبروا النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «خذوا