للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

?

واضربوا لي معكم بسهم»، إذن طلب الهدية، لكن لأي شيء؟ لمصلحة القوم؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا أخذ وأكل طابت نفوسهم أكثر، فلهذا نقول: هذا من مصلحة المُهدي، والنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يرد أن ينتفع بهذا ولكن لتطمئن قلوبهم، وكذلك دخل يوماً ورأى البرمة على النار وفيها لحم، فقدم إليه الطعام فقال: «ألم أرد في البرمة على النار» فقالوا: هذا لحم تُصدق به على بريرة، قال: «هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية».

(٨٩٢) - وَعَن ابن عَباس (رضي الله عنه) قَال: «وَهَبَ رَجُل لِرَسول الله (صلى الله عليه وسلم) نَاقَهُ، فأثابه عَلَيْهَا، فَقَالَ: رَضيتَ؟ قَالَ: لا، فزاده، فَقَالَ: رَضيتَ؟ قَالَ: لا فزاده، قَالَ: رَضيتَ؟ قَالَ: نعم». رَوَاهُ أَحْمَد، وصححه ابنُ حِبَّانَ.

قوله: «وهب رجل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ناقة»، من المعلوم أن هذا الرجل لم يهد هذه الناقة إلا وهو يترقب عوضا عنها، فالهدية هنا بمنزلة البيع، ولهذا أعطاه النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى رضي كما أعطى جابر بن عبد الله حتى رضي، كرر عليه حتى باع عليه، المهم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) فهم أن هذا الرجل الذي أهدى الناقة إنما أهداها على وجه المعاوضة فأثابه عليها فقال: رضيت؟ فقال: لا. فزاده ... إلخ، وهذا واضح في أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يثيب ما يرضى به المُهدي إما بلسان حاله وإما بلسان مقاله، أما لسان المقال فكما سمعتم فى الحديث، وأما لسان الحال فأن يقدر المهدى إليه أن ما أثاب على هديه أكثر من قيمتها فإذا غلب على ظنه أنه أكثر أو أنه مساوٍ فقد أثاب.

ويستفاد من هذا الحديث: أن هبة الثواب لابد فيها من رضا الواهب أو المهدي، الدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كرر عليه الاسترضاء، ولكن لو أن المُهدي طلب أكثر مما تساوي مثاله أهدى إليك رجل ناقة تساوي ألفا فأعطيته ألفا، فقلت: رضيت. قال: لا. أعطيته ألفا ومائة. رضيت؟ قال: لا. ألف ومائتين، رضيت؟ قال: لا. والقيمة ألف، هل يلزمني أن أعطيه حتى يرضى ولو زاد على الثمن؟ لا يلزمني في هذه الحال، بل يجوز لي أن أقول: إذا لم ترض خذ ناقتك ولا غضاضة علي في هذا، لأننا عرفنا أن الرجل إنما من ليستكثر، والله (عز وجل) يقول لنبيه (صلى الله عليه وسلم): {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦].

ومن فوائد الحديث: حُسن خلق النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث نزل كل إنسان منزلته، فأعطى هذا الرجل

حتى رضي، وكان يوهب (صلى الله عليه وسلم) من أصحابه، ولم يكن يفعل معهم كفعله مع هذا الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>