فإن قال قائل: ألا يصح قياسه على من قتل في سبيل الله؟ لا يصح القياس؛ لأن المقاتل في سبيل الله إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولأن المقاتل في سبيل الله هو الذي بذل نفسه وذهب إلى الخطر، أما هذا فإنه مدافع فقط فبينهما فرق؛ ولهذا كان القول الراجح: أنه يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يلام الإنسان على المدافعة عن ماله وذلك لقوله: "فهو شهيد" ولكن هل يلزمه أن يدافع عن ماله؟ قال الفقهاء: إنه لا يلزمه أن يدافع عن ماله، لأن المال لو ذهب يخلف الله غيره، وقال آخرون: بل يجب أن يدافع عن ماله؛ لأن ماله محترم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سئل أرأيت إن قاتلني؟ قال:"قاتله" فأمر بقتله، ولأننا لو تركنا المقاتلة لكان في ذلك فتح باب للصائلين أن يصولوا، على الناس، وهذا القول - أعني: وجوب المدافعة - أقرب غلى القول بأن ذلك على سبيل الإباحة، هل يلزمه أن يدافع عن نفسه وعن أهله؟ نعم، يجب قولا واحدا، وذلك لأن المدافعة عن النفس والأهل أوكد من المدافعة عن المال، لو أراد أحد أن يقتلك أو أن يهتك عرضك فلا تمكِّنه من هذا، وهل يلزمه أن يدافع عن مال الغير؟ ينبني على الخلاف في المدافعة عن ماله، فنقول: نعم، إذا كان الغير معصومًا وله حرمة فإنه يجب أن يدافع عنه.
[الدفاع عن النفس]
١٢٠٧ - وعن عبد الله بن خبَّاب رضي الله عنه قال: سمعت أبي رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تكون قتنٌ، فكن فيها يا عبد الله المقتول، ولا تكن القاتل". أخرجه ابن أبي خيثمة والدَّارقطنيِّ.
- وأخرج أحمد نحوه: عن خالد بن عرفطة رضي الله عنه.
"تكون" هنا فعل مضارع، ولكنها هنا تامة، أي تكتفي بمرفوعها، كما قال ابن مالك:
*وذو تمام ما برفع يكتفي *
وعلى هذا تكون "فتن" فاعلًا، أي توجد فتن، والفتنة ما يفتن به الناس، وهي أنواع كثيرة قد يفتن الناس في أديانهم، أو في أعراضهم، أو في أخلاقهم عموما أو في دمائهم، المهم أن الفتن أنواع، ومن الفتن: الفتن المقالية التي يتنابز فيها بالناس بالألقاب السيئة: أنت مبتدع، أنت كافر، أنت فاسق، وغير ذلك من الكلمات التي لا يجنى منها إلا اختلاف القلوب، واختلاف الناس، لكن المراد بالفتن هنا - والله أعلم - فتن الدماء، أي: تكون فتن، أي قتال بين الناس.