فلا يكون مثل الذي قتل في سبيل الله، فالصحيح: أن المقتول ظلمًا يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه كسائر المسلمين.
فائدة: قال العلماء: الشهيد إذا بقي حيًّا ثم مات بعد ذلك فإنه يثبت له أحكام غيره من التغسيل والتكفين والصلاة عليه، لكن إذا قتل في نفس المعركة فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.
ظاهر الحديث أنه لا يغسل ولو كان عليه جنابة، وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما استفصل، وهو كذلك فصوابه أن الشهيد لا يغسل ولو كان جنبًا، وأما من قال: غنه كان جنبًا وجب تغسيله فإن قوله ضعيف؛ لأن غسل الجنابة إنما يجب على من قام إلى الصلاة لقوله تعالى:{يأيُّها الَّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصَّلاة} حتى قال: {وإن كنتم جنبًا فاطَّهروا}[المائدة: ٦]. وهل هؤلاء الذين قتلوا يقومون إلى الصلاة؟ وأما استدلال بعضهم في القصة المشهورة في حنظلة الذي قتل في احد شهيدًا وغسلته الملائكة؛ فإن هذا على تقدير ثبوت القصة لا يدل على أن من كان جنبًا وجب أن يغسل؛ لن هذا من بابا الكراهة لهذا الرجل، ثم إن تغسيل الملائكة ليس عن تكليف ما يكلف بنو آدم ولو كان هذا من الواجب لقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، ومن كان جنبًا فافعلوا به هكذا، والصواب: أنه لا يغسل مطلقًا حتى ولو علمنا أنه قتل شهيدًا وهو جنب.
[كراهة المغالاة في الكفن]
٥٢٤ - وعن عليٍّ رضي الله عنه قال:((سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغالوا في الكفن، فإنَّه يسلب سريعًا)). رواه أبو داود.
((لا تغالوا)) مأخوذة من الغلو، والمعنى: لا تبلغوا الغاية في الغلو في الكفن الذي يكفن فيه الميت، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه يسلب سريعًا؛ أي: تأكله الأرض ويسلب عن الميت سريعًا، وقوله:((سريعًا)) أمر نسبي بحسب الأرض؛ لأن من الأراضي ما يتأخر فيها سلب الكفن، ومنها ما يسلب، والغالب أن الأرض إذا كانت محالة أنه يسرع فيها سلب الكفن، وأما إذا كانت رملية باردة فإنه يتأخر.
وعلى كل حال: فإن هذا الحديث يدل على أنه لا ينبغي المغالاة في الكفن، وإنما يكفن بما ليس فيه إسراف ولا مجاوزة حد.