قالوا: لأنها أثر عبادة فاستحب أن تبقى على، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن وساخة الثوب بالنسبة للمعتكف ليس من أجل الاعتكاف، ولكن يكون من المكث؛ ولهذا المعتكف يجوز أن يغتسل ويجوز أن يتطيب، ويجوز أن يلبس الثياب الجميلة هذا كله ليس له دخل بالاعتكاف، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله وهو في اعتكافه، الوسخ التي في ثياب المعتكف ليس من أثر العبادة حتى يقاس على دم الشهيد.
لكن لو قال قائل: المحرم يكون أشعت أغبر لأنه مكشوف الرأس والبدن ليس عليه ثياب معروفة، فهل نقول: يسن للمحرم أن يبقى الشعت والغبر عليه، هل يشرع له ذلك أو له أن يغتسل ويزيل هذا الشيء؟
الجواب: الثاني: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل وهو محرم، وعلى هذا فإن هذه المسألة لا يقاس عليها بل هي مسألة خاصة بالشهداء.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يصلى على الشهيد لقوله: ((ولم يصل عليهم)) قال أهل العلم: وذلك لأن الصلاة على الميت شفاعة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه)). ومن قتل شهيدًا فقد كفِّرت خطاياه فلا يحتاج إلى شافع، وهذا تعليل جيد.
وهل يلحق بالشهيد- شهيد المعركة- من قتل ظلمًا، لأن من قتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، فهل يلحق بذلك؟ فيه خلاف، والمشهور من مذهب الإمام أحمد: أنه يلحق بشهيد المعركة، وأن من قتل ظلمًا فإنه لا يغسل ولا يكفن لا يصلى عليه، وإنما يدفن بدمه وثيابه بدون صلاة، ولكن هذا القول ضعيف لوجود الفارق بين هذا وبين المقتول ظلمًا، ما الفرق بينهما؟
أولًا: أن هذا قتل مجاهدًا في سبيل الله، وذاك قتل غير مجاهد في سبيل الله.
ثانيًا: أن هذا هو الذي عرض نفسه للقتل ليقتل ي سبيل الله عز وجل وأما هذا فإنه فارٌّ من القتل ولكنه قتل ظلمًا.
الثالث: أن هؤلاء الشهداء في سبيل الله عز وجل لا يساويهم أحد في الفضل والدرجة كما قال تعالى: {ولا تحسبنَّ الَّذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون}[آل عمران: ١٦٩]. وشهادة المقتول ظلمًا كشهادة المطعون والمبطون ونحوهم؛ لأن الكل منهم أتاه الموت بغتة ومفاجأة