"وتؤخذ زكاته زبيبًا منه"، وعلى هذا يكون بناء على الغالب وإن لم تقدر، وتؤخذ زكاته زبيبًا صار لا بد أن يقدر هذا العنب زبيبًا ثم تخرج زكاته من الزبيب، وهذا هو ظاهر الحديث وهو الذي ذكره الفقهاء- رحمهم الله-.
ولكن الصحيح: أن تؤخذ زكاته منه؛ لأن الإنسان لا يكلف أكثر مما عنده فيؤدي زكاته منه والفقير يتصرف، نعم إذا خاف لو أعطى الفقير شيئا كثيرا فسد عليه فإنه يوزعه بحيث يعطى الفقير ما لا يفسد عليه، فإذا قدرنا مثلًا أن هذا الرجل عنده زكاة تبلغ ثلاثين كيلو هذا ربما إن أعطاه الفقير ربما يفسد عليه أو يبيعه بقليل من المال، فمثل هذا نقول: حرصًا على مصلحة الفقير توزع عليه توزيعًا مناسبًا هذا إن لم يبعه فإن باعه فلا شك أنه يخرج من قيمته، ويكون الواجب عليه نصف العشر إن كان يسقى بمؤنة، وإن كان يسقى بلا مؤنة فالعشر كاملًا.
[فائدة في جواز لبس الذهب المحلق]
أما حديث عمرو بن شعيب فمن فوائده: جواز لبس الذهب المحلق لقوله: "وفي يد ابنتها مسكتان"؛ لأن السوار محلق بلا شك، وقد تضافرت الأدلة على جوازه، وهناك أحاديث تدل على المنع من الذهب المحلق والوعيد على من فعل ذلك، ولكن العلماء اختلفوا في تخريج هذه الأحاديث؛ فمنهم من قال: إنها شاذة ولا يعمل بها، ومنهم من قال: إنها منسوخة، فأما من قال: منسوخة، فإنه يحتاج إلى إقامة الدليل على أنها سابقة، وأن الأحاديث الدالة على الجواز متأخرة؛ لأن هذه هي القاعدة، ومن قال: إنها شاذة، قال: لأنها تخالف الأحاديث الصحيحة التي هي أقوى منها، وتخالف عمل المسلمين، فإن بعض العلماء نقل الإجماع على جواز لبس الذهب المحلق، والغالب ألا يكون الجمهور على قول يخالف الحق لا سيما وأن معهم من الأدلة القوية الصريحة في جواز اللبس ما يقوي قولهم، وعلى هذا فتكون شاذة، وكنت قد بحثت معكم مسألة الشذوذ، هل يصح أن نحكم على الحديث بالشذوذ إذا كانا حديثين، أو نقول: إن الشذوذ مخالفة الراوي بقية الرواة في هذا الحديث المعين؟ كنت أظن أن الشذوذ يكون في حديث واحد يختلف فيه الرواة، فيشذ بعضهم ويزيد شيئا لم يزده غيره، ولكن رأيت كلامًا للإمام أحمد رحمة الله يدل على أن الشذوذ يقع حتى وإن كانا الحديثان مختلفين، وذلك فيما ورد من الحديث عن النهي عن الصيام:"إذا أنتصف شعبان فلا تصوموا"، قال الإمام أحمد: هذا حديث شاذ لمخالفته قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين". قال: لأن هذا الأخير ثابت في الصحيحين وغيرهما، فهو قوي ورواته حفاظ وذاك الحديث لا يساويه في القوة، فيكون مما خالف الثقة من هو أوثق منه فيحكم بشذوذه، وكذلك أيضًا هذا الحديث