للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يديه أن يكونوا أمامه بين يديه، قال أهل العلم ويجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لفظه وفي لحظه، وفي الجلوس بين يديه، وفي كل شيء؛ لأن هذا من العدل الذي أمر الله به: {إن الله يأمر بالعدل} [النحل: ٩٠]. ولأنه لو جار على أحدهما لانقطعت حجة الآخر لانكسار قلبه واعتقاده أنه مهضوم ومظلوم فتضيع حجته.

ولكن أين يجلسان؟ هذا الحديث يدل على أنهما يجلسان بين يديه، وذلك من أجل أن يصوب إليهما النظر تصويباً كاملا؛ لأنه بالنظر إليهما قد يعرف بفراسته المحق من المبطل فإن كثيرا من الناس يعرفون المحق من المبطل بصفحات وجهه، فإن لم يكن ما بين يدي القاضي مكانا يتسع لذلك فلا بأس أن يكون أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال ولكن لو تنازعا أيهما يكون اليمين؟ فهل يقدم الأكبر أو الأعلم أو يضرب بينهما بالقرعة؟ الثالث، يعني: يقرع بينهما إن تنازعا؛ لأن أحدهما قد يكون يرغب في اليمين وينازعه الآخر، وهذا من تمام العدل، ثم قال:

* * *

[١ - باب الشهادات]

الشهادات: جمع شهادة، وهي إخبار الإنسان بما يعلمه من مرئي أو مسموع أو مذوق أو مشموم، يعني: الحواس الأربعة: السمع والبصر والشم والذوق، وربما نزيد الخامسة وهي اللمس، وقولنا: "بما يعلمه" يفيد أنه لا يمكن أن يشهد بالظن، لابد من العلم، وطرق العلم هي: الحواس.

هناك شيء يعلم بالاستفاضة، ولكن المعلوم بالاستفاضة لا يخرج عن هذه المدركات الخمس، يعني: يستفيض عند الناس كذا وكذا، مثلا قدمت لنا جنازة وقالوا: هذا فلان ابن فلان نشهد بأن فلانا قد مات بأي طريق؟ بالاستفاضة؛ إذ أن الإنسان ليس جالسا عنده حين احتضر وخروجه روحه، نشهد أنه فلان ابن فلان، وهل نحن عنده حين ولدت أمه على فراش أبيه؟ الجواب: لا، لكن نشهد بماذا؟ بالاستفاضة، نشهد أن فلانا أمير على البلد الفلاني فهل نحن شهدنا قرار السلطان بأنه أمير؟ لا، هذا يكون بالاستفاضة.

فإذن طرق العلم بالمشهود به تكون ستة: السمع، والبصر، والشم، والذوق واللمس، والاستفاضة.

النكاح مثلا: أتينا إلى محفل وقلنا: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج بنت فلان، هل نحن عنده عند العقد؟ الجواب: لا، لكن نشهد بالاستفاضة وهلم جرا، إذن لا يجوز أن يشهد بالظن ولو كان عنده قرائن قوية، ولكن هل يشهد بالقرائن؟ نعم يشهد بالقرائن مدركة بواحد من هذه الأمور السيئة فمتى أدرك الإنسان الشيء شهد به.

<<  <  ج: ص:  >  >>